جريمة سبايكر
في منهجية المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
تخليداً للذكرى
الأستاذ المساعد الدكتور رائد عبيس
تعمق الذكرى من دروس التأريخ, تلك التي لا يُراد له أن يُنسى, وحتى لا تكون ذكرى عابرة, في وعي الأجيال وتجاربها مع المستقبل, فالتأريخ, والتأريخ الاستذكاري, منهج , وطريقة متبعة, لإيجاد معنى جديد للمستذكر منه, بل وتجربة جديدة, تُحيى في أساليب الإحياء وأهدافها.
قد يشخص التأريخ فيها عنواناً لمخيلة الأجيال, وقد تُلهم الذكرى السؤال عن الحدث, وتأريخه, ودروسه, وفهمه, وتأويله, وتحليله, وعن كتابته, وتخليده في ذاكرة الأجيال المكتوبة, والمسموعة, والمسجلة, والمصورة, والمجسمة, والمؤرشفة.
ولا يُغني تأويل تأريخ الذكرى, ببعد واحد, من تصور, أو قراءة, أو فهم ,أو بيان, أو شعر, ولا يُراد التأويل التأريخي للتأريخ, ولا السياسي للحدث, ولا المبرر الاقتصادي, أو التفاعل الاجتماعي المنفعل, أو التأثير الجمعي, المشارك في صناعة حدث إيجابي ما , أو في فعل جريمة, مثل: حادثة سبايكر, والمقدادية, وبادوش, وغيرها, أو فعالية سياسية , كالإعتصام, أو التظاهر, أو التحشيد, والتعبئة العمياء – بل يحتاج إلى منهجية عقلانية, تتابع كل حدث بطريقة موضوعية وواقعية , من دون الارتهان للماضي, وربط نسيجه مع المستقبل المتخيل.
فكانت الأحداث القريبة لجريمة سبايكر, وشبيهاتها, شاهد حي على تلك المنهجية التي اتخذت – من كل ما هو مكتوب, أو مسموع ,أو مشاهد, أو مروي, أو مسجل, أو محفوظ كأرشيف, أو أثر مادي بيولوجي, أو مصنوع, أو معنوي, أو حتى جغرافي بيئي, أو عمراني- طريقة لحفظ ذلك في ذاكرة الوعي الجيلي الراهن والقادم.
وكانت وثائق المحاكم, والمراكز الأمنية, والصحية, والعسكرية, وما حفظ عند الأهالي من ذكريات , وسيلة لتتبع ما ذكر عن هذه الجريمة الشنيعة, ونسج خيوط القصة التي لا يحتفظ بها إلا من كان سبباً فيها, أو من عايشها, أو من راح ضحيتها, فقد كانت اعترافات القتلة الذين تم ألقاء القبض عليهم عبر التحقيقات , جزء من حقيقة تلك القصة التي خرجت من أفواه فاعليها. وكانت أيضاً روايات الناجين من تلك الإبادة, شاهدة على صدق الحدث في كل تفاصيله الأمنية, والعسكرية, والشعبية, والارهابية, والإنسانية, والاقتصادية, والمجتمعية.
ولحفظ كل ذلك للأجيال, حفظ ذاكرة, وذكرى, ودرس, وعبرة, وقصة, وحدث, وفاجعة, وأخطاء, وضحايا, وآثار, وكتابات, ومحفوظات, وبيان, وشعر, وآلام فقد, ويتم , وترمل, بادر المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف , إلى كتابتها, وفهرستها بجميع ملحقات جريمة سبايكر, الأعلامية, والخبرية, والتقارير, والدراسات, والصور, والتوثيق, والوثائق, والأرشيف الداعشي , وكل معطيات الجريمة المكانية والزمانية, ومناسبات الإستذكار التي أقامتها المؤسسات الحكومية, ومنظمات المجتمع المدني , والأهالي من ذوي الضحايا او المتضامنين معهم , أو التنظيمات السياسية, أو الأحزاب, أو العتبات المقدسة.
وتخليداً لذلك الدم, وشعوراً بنزيف من فقد معنوياً ومادياً, وهم ينتظرون أدوراهم في طوابير الموت التي رأوا فيها حتمتية المجسمة في وحشية فاعليها.
يستذكر مركزنا تفاصيل الجريمة, منذ حدوثها في 2014 الى ذكراها القريبة , ليكون جزء من الاهتمام بتعقب مجريات الجريمة, في الرأي العام, وتأثيرها على الوجدان الإنساني, بهدف أرشفتها, ودراستها, وحفظ المواقف فيها, وهذا ما يضطلع به المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف, وهو يعاصر أكبر جريمة إبادة في العراق بهذا القرن الحادي والعشرين, كما وصفها نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيد جورجي بوستن.