الإقبار الجماعي الفعل الأشد عنفاً للتطرف
الأستاذ المساعد الدكتور رائد عبيس
جامعة الكوفة
لا يمكنُ اختصار التأريخ أو اختزال الحقيقة، بأية معنى ليعبر عن عميق ذلك الاقتران بين المقابر الجماعية، ومعنى المأساة لا نعلم من أي مصدر نستوضح ما نريد أن نكتبَ في جريمة الإقبار الجماعي من فعل الوشاية أو تقارير الأمن أو عقيدة البعث أو جناية الفاعل وإجرامه أو من قسوة التدريب أو من وحشية النظام أو عدائية أزلامه أو من فنون القتل ومبتكراته، أو من أساليب التعذيب وأدواته، أو من ردود الفعل، أو من صدور الثكالى أو من أنين الجرحى أو من هول الصدمة وأليم الفاجعة.
لا يمكن أن يكبرَ خيالنا ويتسع لفهم حقيقة مصطلح “الإقبار الجماعي” من دون الاطلاع على كلّ التفاصيل الدقيقة للأحداث التي ساعدت ومهدت في قرار وإرادة وتفكير وسياسة وقوة وأدوات، واستعداد السلطة القاتلة لممارسة فعلة الإبادة أو الدفن الجماعي لإحياء أو أموات أو الإقبار الجماعي فيما لو كان هناك مصداق حقيقي على الإقبار بحق الضحايا.
اقترنت قوة السلطة البعثية الغاشمة مع إرادة القتل والإبادة الفعلية بحق أبناء الشعب العراقي من الشمال إلى الجنوب بطريقة جنونية خلّفت لنا قبوراً جماعية بعضها مكتشف وكثير لم يكتشف بعد كانت طرق الاكتشاف متنوعة ومختلفة منها عبر شهادة ناجي من حوادث الإبادة والدفن الجماعي ومنها من خلال شهود عيان لم تدركهم عيون البعث ومنها أظهرتهم الأرض نفسها وكشفت لنا عن بعض بقايا رفاتهم وبعضها كانت الصدفة طريقها من خلال عمليات حفر أو العثور على بقايا عظام على سطح الأرض أو مقتنيات الضحايا وبعضها الآخر قد توفرت بها قرائن رسمية أو غير رسمية فكشف عنها.
هناك كثير من هذه المقابر متناثرة تحت أرضنا قد لم يخبر عنها شهودها لحد الآن أما بسبب الوفاة أو الخوف أو الهجرة أو عدم المعرفة بأهمية الإخبار عنها ولعل القناعة بذلك تتوفر بعد المقارنة بأعداد الإبادات وضحاياها.
كشفت تقارير دولية معنية بحقوق الإنسان عن المقابر الجماعية التي فعلها صدام حسين بحق شعبه فكان المجتمع الدولي على دراية بكل الجرائم الجماعية التي مارسها البعث بحق الشعب العراقي بينما كثير من الشعب العراقي لا يعلم عنها ولعل مرد ذلك إلى سياسة حجب الحقيقة، والتحكم بوسائل الإعلام وتلميع صورة النظام واخفاء عملياته الإجرامية حتى عن مقربيه.
صدرت إدانات على ممارسات حكومة البعث من البعثات الدولية ومنظماتها، منذ أن بدأت إدانته عن المقابر الجماعية منذ سبعينيات القرن الماضي وجرائمه بالإبادة بحق الأكراد وحتى الانتفاضة الشعبانية بحقّ الوسط والجنوب وغيرها من الجرائم الفردية بحق معارضيه حتى سقوط نظام البعث في 2003.
بعد سقوط النظام الصدامي هرعت الأهالي إلى أهاليهم في مقابرهم المفترضة أو الحقيقية وهم ينبشون بشكل لاهف وعشوائي للبحث عن بقايا ذويهم أو قرائن عنهم.
بعضهم وجد ما طلب، وآخرون لم يسعفهم حتى تحليل الــDNA في التعرف على ذويهم وضحاياهم، بسبب التلف التام لكل ما يساعد على ذلك.
بعدها تدخل الصليب الأحمر الدولي والعراقي وقوات التحالف ووزارة الصحة العراقية لمساعدة الأهالي في العثور على مقابر أهليهم أو استخراج الرفات وإن كانت بإجراءات معقدة وبطيئة بسبب ضعف الإمكانيات .
صدر قانون حماية المقابر الجماعية رقم (5) في (٢٠٠٦) وأصبحت عمليات الإبلاغ والحفر والفتح والفحص كلها محمية بقانون وتسير وفقه، وما زالت تلك اللجان والتوصيفات الإدارية تعمل على وفق ذلك القانون فكانت هناك أقسام للمقابر الجماعية ولجان فرعية ذات ارتباط مع وزارات معنية للمساعدة على تقديم خدمات لذوي الضحايا أو العثور على مزيد من المقابر.
وعلى ما يبدوا سوف يبقى ملف المقابر الجماعية مفتوحا بين عمل مؤسسة الشهداء والجهات المعنية، مادامت هناك جماجم تحت الأرض أو بقايا رفات.
لا شك أن فعل الإقبار الجماعي وظاهرته يعد فعل تطرف بليغ قد لا تنفع معه ضوابط التفكير العقلاني ولا مشاريع السلام الدائم ولا جهود منظمات حقوق الإنسان التي باتت هي الأخرى، رهينة سياسات التجميد والتنشيط تبعاً لمصلحة الأنظمة.