الأرشيف الكوردي ودوره في كشف جرائم البعث للرأي العام الدولي
د. قيس ناصر
باحث في قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية –
مركز دراسات البصرة والخليج العربي-جامعة البصرة
لا تخفى جرائم البعث عن أيّ متابع للشأن العراقي, إلا إن توثيقها ودراستها, ونقلها الى الرأي العام المحلي والدولي, لم يكن كما ينبغي, ربما يستثنى من هذا الأمر بعض هذه المحاولات, التي, منها: توثيق ودراسة الأرشيف الكوردي الذي هو جزء من أرشيف البعث الذي تم الحصول عليه بعد انتفاضة 1991م, وفي هذا السياق, هناك من يُقسم أرشيف البعث على قسمين: الأول الذي تم الحصول عليه في 1991م , مثل الأرشيف الكوردي, والأرشيف الكويتي, أما القسم الثاني, فهو الذي تم الحصول عليه بعد 2003م, والمتمثل بأرشيف القيادة القطرية لحزب البعث المقبور, والأرشيف اليهودي, فضلاً عن أرشيفات أخرى .
حرص قادة الكورد بعد العثور على مجموعة الوثائق, للإفادة منها, وحينها لم يكن بتصورهم قيمتها, إذ كان تفكيرهم يتمثل بمعرفة المُخبرين الذين يعملون مع الأجهزة الأمنية الصدامية, لكن بعد تواصلهم مع السيد كنعان مكية قد تغير رأيهم نحو الإفادة منها في كشف جرائم حزب البعث وجمعها في أرشيف كامل يوثقها, وقد ساهم مكية بإنجاز فيلم عن تلك الجرائم, والقصة معروفة للجميع, وعن دوره في الأرشيف الكوردي, وهذا ما أشار إليه تقرير منظمة مراقبة حقوق الانسان, فضلاً عن بعض الصحفيين العراقيين, إلا إن ما لفت انتباهي هو عدم ذكر دور كنعان مكية في أغلب كتابات بروس مونتغمري مدير الأرشيف في جامعة كولورادو, وهو من المهتمين بالأرشيف الكوردي بالاشتراك مع الدكتور النمساوي فرديناند هينر بشلر الأستاذ في جامعة السليمانية .
ويمكن تلخيص الحديث عن الأرشيف الكوردي, بأنه قد تم تجميعه بعد انتفاضة 1991, لتوثيق جرائم البعث, من أجل ادانة النظام الصدامي المقبور, وكانت أولى الخطوات تمثلت بإنتاج فلم من خلال قناة BBC وكان لكنعان مكية دور في ذلك, فضلاً عن دوره في التعريف بأهمية الوثائق, كذلك دور لمنظمة مراقبة حقوق الانسان التي انتجت تقريراً بحدود 300 صفحة – تحدثنا عنه في مقال سابق-, وتم فيه اعتبار جرائم الانفال إبادة جماعية ويمكن عدّ هذا التقرير الخطوة الثانية, أما الخطوة الثالثة فهي التي اشتغل عليها بيتر غالبيرت الذي كان حينها الموظف المعني بالشؤون العراقية في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي ووكالة استخبارات الدفاع الاميركية, وقد تكفل غالبيرت بالتفاوض مع القادة الكورد على نقل الأرشيف إلى الولايات المتحدة الأميركية .
بعد التقارير التي انجزها كنعان مكية, ومنظمة مراقبة حقوق الانسان, وبتير غالبرت, لم يكن هناك اهتمام بالأرشيف سوى ما قدمه بروس مونتغمري مدير الأرشيف في جامعة كولورادو, إذ طلب من لجنة العلاقات الخارجية الأميركية, بنقل الأرشيف إلى أرشيف حقوق الانسان في جامعة كولورادو, في سنة 1998م, مع تأكيد التزامه بوجوب احترام أي طلب يقدمه الكورد بخصوص الأرشيف, واليوم, يُعد موتنغمري أحد أبرز المهتمين والدارسين للأرشيف الكوردي, ولديه ما يُقارب خمسة دراسات عن الموضوع, وقد ساهم بتعريف المجتمع الدولي بجرائم صدام ضد الكورد .
لقد تسلّم الكورد نسخةً إلكترونية من الأرشيف في عام 1998م, إلا أنَّ النسخةَ الثانية التي تسلموها في 2014م, تُعد أكثر أهمية, وكانت مراسيم التسليم تتويجاً لسنتين من المفاوضات بين مونتغمري والدكتور النمساوي فرديناند هينر بشلر ، اللذين كان لهما دور في إتمام اتفاقية التسليم الرسمي, على وفق ما تم ذكره في أحد بحوثهما, وقد ذُكر أيضاً أن مونتغمري كان يرفض تسليم الأرشيف إلى حكومة المركز في بغداد ؛ لأنَّ هذا الأرشيف يخص الكورد على وفق رأيه, وفي 2019م, تم ارسال بعض الوثائق المتبقية سهوا في جامعة كولورادو إلى السليمانية.
ولابد هنا الإشارة إلى الدور الذي أداه الدكتور برهم صالح في تسليط الضوء على أهمية الوثائق في الكشف عن الجرائم التي تعرض لها الكورد، للرأي العام الدولي .
إنَّ أهميةَ الوثائق لا تتمثل في التأسيس للانتقام, إنما أهميتها تتمثل في معرفة الحقيقة, ولا سيما أن النظام الذي حكم العراق قبل 2003م, عُرِف عنه بأنه أشرس النظم إجراماً بحق شعبه, وأرتكب أبشع الجرائم, إلا أن ما يتم ترويجه أحيانا من أجل كشف تلك الجرائم , هو الجانب العاطفي – مع تأكيد أهميته- من أجل بيان الظلم الذي تعرّض له الشعب العراقي بمكوناته كافة, وإن كانت الجرائم التي ارتكبت تختلف بين جماعة وأخرى بحجم الضرر, لكن الجانب الآخر الذي يهمنا كباحثين هو دراسة تلك الحقبة وتوثيقها من أجل عدم تكرارها, وهذا بعض مما يسعى إليه المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف .