banarlogo

سجن “نكرة السلمان”…..ذكريات مخيفة

م.م. محمد الخزاعي
 
 العتبة العلوية المقدسة

 

 

 

إن المتتبع لتأريخ العراقيين بصورة عامة في زمن الحكم الدكتاتوري يجد أنَّ الخوف والاضطهاد قد اتخذ أشكالاً ومحطاتٍ مختلفة ، إلا أنَّ بعضَها بات معلماً بارزاً على الظلم والوحشية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف وتركت في من حالفه الحظ وبقي على قيد الحياة آثاراً جسدية ونفسية , إذ سلك نظام البعث الصدامي سلوكاً بعيداً عن آليات المؤسسات في الحكم، وهو ما أنعكس على أساليب وسياسات الدولة ومؤسساتها الأمنية والاستخباراتية، التي مارست انتهاكات دموية بحق العراقيين عبر محطاتهم لعقود.

 

 

ومن هذه المحطات التي شكّلت محطةً عنيفة في الذاكرة العراقية هي محطة سجن السلمان أو كما يُعرف شعبياً (نكرة السلمان).

فهذا المكان الذي أُسس من قبل القوات الإنجليزية المحتلة في عشرينيات القرن الماضي، في منطقة منخفضة جنوب مدينة السلمان قرب الحدود العراقية السعودية، وعلى مقربة من هذا السجن قامت الحكومة العراقية في ستينيات القرن الماضي ببناء سجن آخر على أحد تلال السلمان، وهو أكبر من سابقه بكثير استغله النظام البعثي في الإيغال بمعارضيه من الشعب العراقي عبر وضعهم في هذا السجن الذي يفتقد لكل مقومات الحياة, والذي راح ضحيته كثير من العراقيين من كافة قومياته .

 

 

ففي عام 1988، بدأ نظام البعث بعملية أنفال الكورد عبر حملة عسكرية ممنهجة كبرى نفذت على ثمانية مراحل ، وبحسب إفادات الناجين من الإبادة فإنه تم تفريق أفراد الأسر المعتقلة ضمن عملية الإنفال في مراحل لاحقة ، حيث تم وضع الشباب في جهة والنساء والأطفال وكبار السن بجهة أخرى ، وتم نقل الشباب إلى قبور جماعية  عبر الحافلات لدفنهم فيما نقل الباقون إلى سجن نقرة السلمان سيء الصيت، إذ كانت الشاحنات تسير وهي مثقلة بالأجساد البشرية المرهقة من رحلات طويلة نحو هذه القلعة المظلمة .

 

 

ولم يكن اختيار هذه المنطقة عبثاً، فهي عبارة عن منفى في صحراء متناهية الأطراف مشهورة بالكثبان الرملية المتحركة وبالصخور المسننة، وأقرب منطقة مأهولة إليها تبعد أكثر من 200 كم، ولذلك فإن أي عملية هروب من السجن تكاد تكون مستحيلة، خاصة أن الحيوانات المفترسة كالذئاب والضباع والكلاب المتوحشة تجوب هذه الأنحاء ليلاً ونهاراً.

 

 

كانت أوضاع السجناء مرعبة إذ كانت أبواب السجن تفتح لهم ليلاً فقط , ومن سوء حظ السجين إن فكّر بالهرب من السجن ؛لأنَّه سيكون طعاماً سائغاً للذئاب الجائعة الباحثة عن فريسة آدمية , فوجدت بعض الأمراض طريقها إلى السجناء التي كانت تفتك في أجسادهم كالنار في الهشيم فلا يوجد سجين صحيح الجسد   .

 

 

فلم نسمع مدار السنين الطويلة بتاريخ سجن “نكرة السلمان” الذي  طالما اكتوى بنار زنزاناته الآلاف من العراقيين إن أحدا هرب منه ووصل سالما ، أما الموت من الظمأ أو أن تأكله ذئاب الصحراء.

 

 

وشاء القدر أن تتحول هذه المدينة الى مدينة ذات اسم مخيف بالنسبة للعراقيين ؛وذلك بسبب المعتقل الموجود فيها والذي كان يعرف باسم “نكرة السلمان” .

 

لقد ضمَّ هذا السجنُ الرهيب في جدرانه وخلف قضبانه وأسواره كثيرا من الأحرار والوطنيين والشرفاء الذين قالوا كلا للطغاة كلا للظالم، كلا للمستبد, ولكنه سيبقى وصمة عار في جبين الحكم الدكتاتوري البعث لا يمكن للتأريخ نسيانها.