banarlogo

سياسات الحدّ من ظاهرةِ التطرفِ العنيف في العراق (2)

سياسات الحد من ظاهرة التطرف العنيف في العراق

 الحلقة الثانية

الدكتور العقيد ثائر غالب الناشي / وزارة الدفاع

 

 

 

أمام السياسة الاجتماعية الحالية والمستقبلية في العراق العديد من الأهداف على عدة مستويات ينبغي أن تعملَ عليها للحدِّ من ظاهرة التّطرفِ العنيف ومنها على مستوى الدولة.

إذ أنَّ هناك تأثيراً واضحاً للمستوى السياسي على المستوى الاجتماعي والعكس صحيح؛ لِذا أصبح من الضروري أن تكونَ هناك مواقف للراغبين بالعمل السياسي مع أنفسهم قبل الإعلان عن أي أمر یخصُّ المجتمع ؛ ولاسيما على المستويات السياسية والدینیة ، مما يتطلبُ مراعاة القضاء على بعض الثقافات التي تضرُّ بالمذاهبِ الدینیّة والسياسة , كالتبشير للمذاهب الدینیة والسياسية والقول بالفرقة الناجية ؛ لأنَّهما قد تجعلا أتباعَ كلّ مذهب دیني , ینظر إلى المذهبِ الآخر نظرةَ الهيمنة والسيطرة مهما كان مصدر تلك الثّقافات السلبية مع ترك حریة المعتقد وعدّها مسألة فردیة , وترك كل ما من شأنه أن یعكّرَ الأجواءَ الاجتماعية والسیاسیة الحساسة في ما بین المجموعات العراقية خاصة , والمجتمع بصورة عامة ؛ ولا سيما تلك المرتبطة بالتأريخ والتركيز على التربية المواطنية في إشاعة (ثقافة الدولة، دولة المؤسسات, الحكم الديمقراطي، المواطنة، التعايش والتسامح، وثقافة الأخوة والوحدة والمودة) ؛لأنَّ العكسَ فِي ذلك يسببُ في ظهور وتنامي الأفكار المتطرفة للفرق الأخرى ويوجد المبررات لمتبنيها من رجال الدين أو غيرهم بدوافع متعددة دينية أو سياسية .

إنَّ إثارةَ النعرات الطّائفية من بعض رجال الدين المتطرفين يقلل من الوعي الأمني ويزيد من العنف ، فقد قامَ بعض رجال الدين بالتحريض الطائفي والمذهبي بين أبناء الشعب العراقي واستباحة حرمات المجتمع بمبررات دينية , كان الهدفُ منها تحقيق أهداف سياسية ومكاسب ذاتية لمجموعات محددة أغلبها بدوافع خارجية .

إن الخلط بين مفهومي التدين والتطرف وتشويه مفهوم الجهاد لشقّ الصفوف وتفرقة أفراد المجتمع الواحد عبر إطلاق ألفاظ التكفير والسبّ والبراءة وهدر الدماء لمحاولة زرع الفتنة والسعي لخلق حرب أهلية وإشاعة الفوضى والعنف والإرهاب بين السكان يسبب العديد من الأزمات في مختلف جوانب الحياة (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية).

وما دامت ظاهرة الطّائفية في العراق راجعة في الأعمّ الأغلب لأسباب سیاسیة ، فلا ينبغي لأعضاء الجماعات السياسية إيهام لرأي العام الشعبي على أنه راجع إلى لأسباب دینیة ؛ لأنَّ ذلك لا یضر بالأديان والمذاهب فحسب وإنما یدمر بنیة الدولة ويفكك نسيجها الاجتماعي وقیمها الأخلاقية أیضاً، مما يستوجب أن تكون هناك إرادة صادقة من الجميع لتجاوزها من خلال الاعتراف المتبادل في ما بین المجموعات والمذاهب العراقية أنفسهم، ومع مراعاة مجموعة من النقاط للخروج من المشكلة الطائفية على المستويات الآتية:

  • ضرورة تفعيل الجانب التشريعي في مكافحة ومعالجة الطائفية ، عبر القیام بمراجعة دستورية لبعض البنود، تعزيزا لمبدأ المواطنة، وضمان حقوق الإنسان العراقي، فإن وجود البنود التي تنص على أهمية الحقوق والواجبات للمواطن تُعد عامة وغیر كافية، كما أنَّ هذه البنود أثبتت عدم فاعليتها في العديد من الدساتير ؛ لذا يجب أخذ البنود الحقوقية بطريقة واضحة وسهلة وسلسلة في الدستور العراقي , فضلاً عن تشريع قوانين لمكافحة التمييز الديني والطائفي والقومي والمناطقي والتحريض وإثارة مشاعر العداء و الكراهية بين العراقيين.
  • تفعيل إطار التعاون من قبل المشرع العراقي مع جهات عالمية مهتمة بضمان التعايش السلمي والمجتمعي كالأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، بإصدار قانون يجرم كل قول أو فعل يفهم منه على أنَّه يحث على الكراهية والتمییز العرقي الديني والمذهبي بین الناس ، سواء داخل البلد أو خارجة إعلامية كانت الوسيلة أو مقروءة فرداً أو مجموعة، وذلك بسن الفقرات القانونية التي تنسجم مع نوع التحريض.
  • تركيز السلطة التنفيذية بمهمة الحفاظ على النسيج الاجتماعي واحترام التعددية الدینیة والاعتراف بها وإنزال المحاسبة الشديدة بكل من یهدد التعددية الدینية والمذهبية، من داخل السلطة أو من خارجها.
  • ملاحقة المجرمين ومعاقبتهم وهذه الخطوة تحمل معها الأمن والطمأنينة بأنَّ هناك عقوبةً تلاحق المجرمين مهما كانوا , وأن الحكومة مسؤولة مسؤولية كاملة على أمن واستقرار المجتمع وتحقيق العدالة والتخلص من كل المجرمين المخترقين الذين سببوا العنف، وأهمّ هذه الخطوات هو تنفيذ الأحكام الصادرة بحق المجرمين ليكونوا عبرة ومثال للبقية لكي لا يتجرأ أي مواطن على ارتكاب جريمة العنف أو الاقتداء به، أو يكون المجرم مطمئن بأنه لن يُحاسب حساباً قويّاً رادعاً له أو لغيره.
  • تعزيز الأمن الفكري لمجابهة الهجمات وتحقيق المناعة الفكرية والسلوكية ؛لارتباطه الوثيق بصور الأمن المختلفة ؛لأنَّ تحقق الأمن الفكري يؤهلنا تلقائيا لأنواع الأمن الأخرى, الذي يعد من القضايا الأساسية في العراق والمجتمعات العربية كون تمويل الإرهاب فكريا أخطر من تمويله المادي, وكان لابد من أن يتم وضع حد للبنية الفكرية للإرهاب عن طريق تفعيل النسق الديني المعتدل المتسامح في هذه المجتمعات ,عن طريق الآتي:
  • تحصين فكر وعقول الشباب من أي غزو فكري مضلل, وتحذير الشباب من خطورة الانجراف وراء الجماعات الإرهابية, إذ يمكن الوصول إلى ذلك عبر (خطب صلاة الجمعة, الندوات الدينية الموجهة, المحاضرات, والبرامج المتلفزة, المؤلفات العلمية) .
  • التركيز على وسطية الإسلام وإشاعة روح التسامح وقبول الآخر والابتعاد عن الغلو والتكفير وحث خطباء الجمع ورجال الدعوة والوعظ والإرشاد على التركيز على التوعية الأمنية وتوضيح مخاطر التطرف.
  • اختيار مجموعة من رجال الدعوة والواعظ والإرشاد من المتعمقين في العلوم الشرعية لكي يصبحوا نماذج يحتذي بها الشباب بدلاً من الانسياق وراء نماذج تحثّهم على الفكر التطرف والغلو.
  • إصدار التشريعات والقوانين التي تحظر التعصب الديني والمذهبي وتشجيع ثقافة الحوار وحريات التعبير، مع احترام الرأي والرأي الآخر من دون إقصاء لآخر أو تهميشه والعمل بكل الوسائل والإمكانيات العربية على تصحيح الرؤية الخاطئة والسلبية, التي تولّدت لدى شعوب الغرب ودولها تجاه العرب والمسلمين نتيجة لظواهر التطرف والتعصب عند فئات ضالة لتنظيمات وتيارات بريء منها الإسلام.
  • ترسيخ قيم حقوق الإنسان وتوطيد المبادئ الديمقراطية وجعلها ثقافة تكون في متناول الجميع حتى تكون هنالك فرصة سانحة للتعبير عما يكتنز العقول ؛ لأنَّ الحجر على الفكر يؤدي إلى نتائج خطيرة تتمثل في اللجوء إلى استعمال القوة, وجعل حرية الفكر قضية مقدسة في الحياة.
  • العمل على بناء دولة المواطنة العصرية والديموقراطية, والعمل على تحقيق العدل والمساواة ما بين جميع المواطنين العراقيين في الحقوق والواجبات.
  • السعي لتشجيع مبادرات التعارف الديني والثقافي بين أبناء الوطن, بما يسهم في تحقيق التفاعل الاجتماعي والوحدة الوطنية.
  • جعل مبدأ المواطنة هو المعيار الوحيد الواجب اتباعه في المفاضلة ما بين شخص وآخر وهذا لا يتحقق إلا بقيام دولة المؤسسات ووجود نظام سياسي رشيد يؤمن بالانفتاح ويحترم الرأي والرأي الآخر.