التطرف انحراف عن المجتمع أم نتاجه ؟
عبد الهادي معتوق
التطرُّف كظاهرة جديدة نتاج السلوك العنيف وانتشار الإرهاب يستهدف بُنى المجتمعات وقيمها، ولطالما كان التطرُّف مصدر قلق للعالم ، السؤال الجاد والأساسي هو ما هي العوامل والدوافع التي تؤدّي إلى ظهور الفكر المتطرف ونموه في العالم ؟ وما هي الدوافع الرئيسة للتطرف في المجتمع العراقي اليوم؟
حتى الآن ، لم يقدم العالم تعريفاً واضحاً للتطرف ، والعراق كواحد من أكبر ضحايا هذه المشكلة ، لا يزال يحاول العثور على جذور هذا التنظيم وأفضل الحلول للقضاء عليه، في هذا المقال سوف نلقي نظرة على كيفية ظهور التطرُّف وما الذي أدى إلى تفاقمه.
التطرُّف هو عملية تحدث على ثلاثة مستويات : الفرد ، والجماعة ، والجماهير ، وفي كثير من الحالات ، يبدأ بالفرد ويجمع الأشخاص ذوي التفكير المماثل في مجموعات كبيرة، في العديد من الحركات المتطرفة ، يكون للقضية التي تكمن وراء سلوكهم صبغة دينية ، ولكن في الواقع ، يعدّ التطرُّف الديني انحرافًا عن الآراء والممارسات الدينية المعتدلة التي تتحول إلى تفسيرٍ متطرّفٍ للتعاليم الدينية.
ورغم أنَّ العراقيين استطاعوا توجيه ضربة قاصمة للإرهاب الداعشي خصوصاً بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أعلنها المرجعُ الأعلى سماحة الإمام السيستاني والاستجابة الواسعة من العراقيين المخلصين لدينهم ووطنهم .. بدأ العراق يواجه اليوم ظاهرة خطيرة ومدمرة ، وهي بروز التنظيمات المتطرفة ، وعلى رأسها تنظيم داعش من جديد ..
يرى الخبراء في هذا المجال أنَّ “التطرُّف الديني في العراق متجذر في السلفية والوهابية فضلاً عن أيتام حزب البعث البائد في العراق”. و تعود أصول السلفية في العراق إلى المدارس الدينية الوهابية التي نشطت بعد ما يسمى بـ “الحملة الإيمانية” التي أعلنها صدام حسين في تسعينيات القرن المنصرم ، فضلاً عن النواصب الذين وفدوا إلينا من بعض الدول الإقليمية خصوصاً الذين يطلق عليهم اسم المجاهدين العرب ومنهم “القاعدة” الذين قضوا مدة من الزمن في أفغانستان ،بعد الاحتلال الأمريكي للعراق … لم يقم تنظيم القاعدة بتأسيس الجماعات السلفية في باكستان وأفغانستان ، بل أدّوا أيضًا دورًا مؤثرًا في تأسيس هذا التنظيم في أغلب الدول العربية لوجود الحواضن التي استقبلتهم … لكن في غضون ذلك ، كان الضحايا في الغالب من المراهقين الذين يتمُّ استهداف قيمهم بعد تحديد هويتهم، ويحاول المتطرفون إحداث ثورة في أدمغة المراهقين حتى يتحولوا إلى مبدأ التطرُّف.
الحرمان التأريخي والاجتماعي لمجموعة عرقية معينة ، والهجوم على القيم الثقافية والثروة ، ونقص الفرص الاقتصادية المتكافئة ، والتمييز والتحيز ، والآراء العرقية واللغوية والدينية تعدّ من العوامل والخلفيات الرئيسة لتشكيل الأفكار المتطرفة.
التطرُّف يعني احتكار الحق وعدم قبول الآخر والاستعداد للقتال بالعنف لتحقيق رغبته ، التطرُّف هو نوع من الحرب النفسية التي تؤدي إلى حروب جسدية، كما أنَّ التطرُّف العرقي والثقافي متجذر في استهداف القيم الماضية ؛ على سبيل المثال، يعارض تنظيم داعش الإرهابي الحلاقة، وارتداء السراويل القصيرة، وإرساء الديمقراطية، والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة ، ومشاهدة التلفاز، وحرية التعبير، والتدخين، ومغادرة المرأة لمنزلها دون محرم ، وإجراء انتخابات وعشرات الحالات الأخرى تعدّ مخالفة لقوانينهم، وفي هذه الحالات لا يمكن الرد عليها إلا بالسيف أو التعذيب والعقوبات المتشددة ..
لقد كان لحركة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي دور فاعل في ترويج هذه الظاهرة في مختلف مناطق العراق وخصوصاً محافظاته الغربية .
أفادت دراسة حديثة أجراها أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية بعنوان “الجهاديون الإلكترونيون” : أنَّ “الجماعات المتطرفة مثل داعش وطالبان والشبكات السلفية العنيفة تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع ، لتجنيد التطرُّف والترويج له والأكثر إثارة للاهتمام أن هذه الجماعات المتطرفة تعمل بخمس لغات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل Twitter و Facebook في هذه الحرب النفسية ، والأكثر غرابة أن هذه الجماعات لديها إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام المختلفة .
في الوقت الحالي ، أدت مشاكل مثل المفاهيم الدينية الخاطئة ، وضعف الإيمان ، والتدخل الإقليمي والدولي إلى تفاقم هذه المشكلة، وإن وجود المتطرفين في المؤسسات الحكومية ، بين الشرطة والطلاب والجامعات، قد فتح أقدامهم أكثر بين الناس.
من خلال متابعة نتائج الدراسات أجرتها مراكز الفكر والسياسة نجد أنَّ المحتوى الديني في العديد من جامعات البلاد والدول الإقليمية به محتوى متطرف ، وأن هذا المحتوى يؤدي إلى التطرُّف بين الطلاب. وقبل سنوات ألقت خلية الصقور الاستخباراتية القبض على أساتذة جامعيين بعضهم يحمل لقب بروفيسور، بتهمة الترويج للتطرف بين الطلاب، واستخدام العنف ضد مخالفيهم ..
من الواضح أنَّ هزيمة داعش في العراق وضرب العديد من مقراته لا يعني القضاء عليه تماماً ، فهناك المزيد من المتطرفين بينهم من سيوفر المزيد من الأسس لتجنيد وتعزيز جبهة داعش من جديد ، لهذا يتوجب على الحكومة العراقية أن تتخذَ إجراءات فعالة وجادة لتكون جاهزة لمواجهة الجماعات المتطرفة والمتطرفة حتى لا يتكرر السيناريو العراقي مرة أخرى .
إن خلق أفكار جديدة بين الشباب وإطلاق خطاب لمعالجة هذه القضية يمكن أن يكون فعالاً ويمنع انتشار هذه الظاهرة إلى حد ما ، وإن أي إهمال في هذا الجانب سيسهم بشكل أكبر في انتشار التطرُّف الديني في العراق ومحيطه العربي والإسلامي ويخلق فئات جديدة في الإسلام.
وخلاصة القول أنه ما لم يتم التعامل مع التطرُّف علمياً وأكاديمياً ، فلن يكون من الممكن هزيمة هذه الظاهرة ، وسوف نقضي حتما سنوات عديدة للقضاء عليها.