banarlogo

مقدمات عن سياسة نظام البعث في العراق تجاه الشعائر الحسينية

-المقدمة الثالثة –
– حقبة ما بعد انتفاضة 1991م-
                                                                                           د. قيس ناصر
   إكمالا للمقالين السابقين اللذين ناقشا سياسة نظام البعث تجاه الشعائر الحسينية في حقبة ما قبل 1979م، وحقبة 1979-1991م، في هذه الحقبة موضوع الدراسة – حقبة ما بعد انتفاضة 1991م، لعل من الأمور الظاهرة التوثيق الأممي للانتهاكات التي تعرض لها الشيعة في العراق، إذ جاء في تقرير المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان السيد ماكس فان دير شتول، عن العراق بتاريخ 18 شباط 1992، أنه بعد آذار 1991م تم القضاء على الثقافة التقليدية للشيعة، فضلاً عن سلب وتدنيس ضريح الإمام علي (عليه السلام) في 23/ 3/ 1991م، وقد شنت الحكومة هجوماً منظماً على طلبة العلوم الدينية الشيعة، وانخفضت أعدادهم من تسعة أو ثمانية آلاف منذ عشرين عاما إلى ألفين، وذلك في محاولة للتخلص من الثقافة الشيعية من خلال التخلص من علماء الدين والطلبة.
ويمكن ذكر ما ورد ضمن تقرير المقرر الخاص ماكس فان دير شتول في 1992م، على وفق الآتي:
  • فرض قيود على الممارسة العلنية لطقوس الشيعة على نحو ما يوصي به زعماؤهم الدينيون.
  • الاستيلاء على إدارة الأضرحة المقدسة.
  • مراقبة وتهديد المصلين في مساجد الشيعة.
  • إغلاق كليات وجامعات الشيعة الدينية وحظر الحلقات الدينية إلا بموافقات رسمية.
  • تقييد حركات الزعماء والعلماء الدينيين داخل أراضي البلد، ومن حيث السفر إلى الخارج على السواء.
  • شن حملات إعلامية عدة ضد المذهب الشيعي باتهامه بالانحراف والزندقة.
  • حظر أو فرض رقابة صارمة على نشر العديد من كتب الشيعة ومجلاتهم وكتيباتهم، بينما ترفض وحدات الحكومة للشؤون الدينية تشجيع نشر أية أعمال للشيعة معاصرة كانت أم تقليدية.
  • حظر بث أي برنامج إذاعي أو تلفزيوني ينطوي على محتوى شيعي.
  • تنظيم حملة لحظر تطبيق قواعد المذهب الشيعي في مجال الأحوال الشخصية والأسرة كالزواج والإرث وما إلى ذلك.
  • حظر الاتصال بين الشيعة خارج العراق والمرجعية الدينية في مدينة النجف الأشرف.
  • فرض قيود خاصة تمس من تبقى من الطلاب والعلماء الدينيين.
  • حظر تعليم العقيدة الشيعية بأي شكل من الأشكال في نظام التعليم بالمدارس الحكومية، على الرغم من أن أكبر عدد من الأطفال في المدارس هم من الأطفال الشيعة.
  • رفض منح الطلاب المسلمين الأجانب تأشيرات دخول لإبعادهم عن المساهمة في الدراسات العلمية الدينية الشيعية في العراق، وإرغام طلاب ومحاضرين آخرين على مغادرة البلد بحجج مختلفة مثل مخالفة أحكام قوانين الإقامة.
واستنتج المقرر الخاص أن سياسة حكومة البعث انتهكت بانتظام الحقوق المتعلقة بالحرية الدينية المكفولة بالمادة (18) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتشكل تمييزاً مخالفا للمادة (2) من الاتفاقية نفسها، وبوجه عام فإنه تبيّن للمقرر الخاص أن هناك سياسة قمعية تحركها مشاعر معادية للشيعة، وتهدف إلى قضاء على التراث الخاص والمقصور على هذه الطائفة الدينية التي ترى الحكومة أنها تشكل تهديدا حقيقيا أو محتملا لبقائها في السلطة، ونظرا للتهديدات المنتظمة الموجهة إلى رجال الدين الشيعة، واستمرار التعدي على التراث الديني لهذه الطائفة، هناك حاجة واضحة إلى التأكيد من جديد لهذه الطائفة بأن معتقداتها وممارساتها الدينية ستكون موضعا للاحترام، وبأن تقاليدها ومؤسساتها التاريخية ستكون مشمولة بالحماية.
    وما زال الحديث في سياق التقارير الأممية، إذ أشارت تقارير عدة إلى تدنيس مجموعة من الأضرحة المقدسة وتدميرها، ويتحدث أحدهم عن منع إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، ومنع إعداد الطعام وتوزيعه خلال شهر محرم، ومنع إقامة المجالس الحسينية، وإن الحكومة استخدمت في مهاجمتها لعقيدة الشيعة وطائفتهم، احتكارها لوسائط الإعلام لمواصلة حملة تضليل وسخرية وإذلال ترمي إلى زعزعة الثقة في الشيعة ومعتقداتهم.
    والأمر أعلاه بدا سافراً مع سلسلة المقالات التي نُشرت في جريدة الثورة؛ وهي الجريدة الرسمية لحزب البعث في العراق للمدة من ( 3-14/ 4/ 1991م)، بحلقاتها الخمس ضمن سلسلة ماذا حصل؟ ولماذا حصل الذي حصل؟ ولاسيما مع مقال الحلقة الثالثة في الخامس من نيسان الذي حمل عنوان: (التعصب الشيعي فساد أخلاق أهل الأهوار)، وفيها استهداف مباشر للتشيع وأهل الجنوب والأهوار- التي سيعمل الباحث على دراستها بشكل منفصل في مقال مستقل-.
    وتضمن تقرير المقرر الخاص ماكس فان دير شتول، وصفاً عن توظيف إعلام السلطة في عدد 21 حزيران 1993م من صحيفة بابل التي يشرف عليها ابن صدام حسين عدي، إذ أعلن أنه سيُعقد حفل زواج جماعي في 1 تموز 1993م، – وهذا التاريخ يتوافق مع ذكرى العاشر من محرم – وإنه سيقدم إلى جميع الذين يرغبون في الزواج بالمجان، ما يأتي: حفل في نادي الصيد، ومأدبة عشاء لمدعويهم، وأزياء للأزواج وفساتين للزوجات، وفرقة موسيقية بمطربين مشهورين، وسيارة لكل زوجين لأغراض الحفل، وليلة في فندق المنصور. وذكر الإعلان بعد ذلك أنه يمكن الحصول على مزيد من المعلومات عن طريق اللجنة الأولمبية العراقية التي يرأسها عدي، وأنه يمكن الاستعلام عن طريق صوت الشباب في محطة إذاعة دار السلام التي يشرف عليها عدي، وأن موعد الزواج الجماعي يوم 1 تموز 1993.
   وعلى وفق تقرير المقرر الخاص ماكس فان ديل فإذا تركنا جانبا الإذلال الذي يبدو بوضوح أن هذا العمل هدف إليه، وبصرف النظر عن الاستخدام المعيب للموارد الاقتصادية التي استهلكها مثل هذا الاحتفال في وقت يعاني فيه الشعب من حصار اقتصادي، فإنه ينبغي أيضا النظر إلى استخدام وسائط الإعلام في سياق الحظر الفعلي المفروض على البرامج الدينية للشيعة في التلفزيون والراديو.
    وهنا ينبغي الإشارة إلى مسألة، في مسار السياق الإعلامي؛ فإنه تم توظيفه في محورين أحدهما دعائي لصدام، إذ أقيمت احتفالات دعائية رعاها البعثيون، بهدف تمجيد نظامهم ومقاربته مع تضحية الإمام الحسين (عليه السلام)، وفي المحور الإعلامي الثاني استهداف الشعائر الحسينية.
   وفي التسعينيات أيضاً، احتوت ملفات النظام الوثائقية تقارير كثيرة تحدثت عن مراقبة واعتقالات الشيعة العراقيين الذين حاولوا أداء مراسم الزيارة سيرا على الأقدام، إذ عمل النظام طوال هذه الحقبة على منع المسير إلى كربلاء المقدسة، وتوجد العديد من الوثائق التي تتضمن تعليمات من قيادة نظام البعث لمنع المسير إلى كربلاء المقدسة.
   وفي هذا السياق ينبغي القول كملاحظة معرفية، إن دراسة سياسة نظام البعث تجاه الشعائر الحسينية تحركت وفق حقب ومسارات متعددة، ولا يمكن إصدار حكم من خلال فهم حادثة واحدة، على سبيل المثال هنالك مقال لعلي عبد الأمير منشور في جريدة الحياة – آذار 2000م يذكر فيه حضور عدي إلى جلسة المجلس الوطني، وذكر في معرض حديثه آنذاك – أي عدي- إن وزارة الأوقاف تعتمد سياسة تمييز طائفي ضد الشيعة في العراق، وهذا الأمر يشير إلى الاعتراف بالتمييز الطائفي الذي تم اعتماده ضد الشيعة، وأن سياسة البعث تجرى عليها تغييرات طارئة في بعض الأحيان، لكن هذا لا يعني قراءة موقف عدي من الشيعة من خلال تصريحه في المجلس الوطني، وهنا يفترض على سبيل المثال لا الحصر ذكر موقفه في استهداف الشعائر الحسينية سنة 1993م كما مر سابقاً.
   كذلك ما يلاحظ وفق الوثائق المرفقة، إن نظام البعث لم يتسامح مع ممارسة الشعائر الحسينية إلى آخر سنوات حكمه، فالوثائق تشير إلى مراقبة حتى ما يسمعه الناس من نعي ومحاضرات حسينية ولاسيما محاضرات الخطيب الحسيني الشيخ الوائلي (رحمه الله)، فضلاً عن إصدار تعليمات عدة تمنع أو تحد من ممارسة الشعائر الحسينية.
   وفي سياق الحديث عن واقع سياسة البعث مع الشعائر الحسينية، ينقل مكرم الطالباني حواراً مع صدام حسين بتاريخ 17/3/ 2002م – أي قبل سنة من سقوط نظام البعث- تضمن موضوعات عدة منها، ما يخص الشيعة في العراق ضمن سياق الحديث عن تقوية الداخل العراقي كما ذكر الطالباني، وفي جملة حديثه، ولا سيما ما يتعلق بالمرجعية الدينية العليا وإلغاء البعث للمرجعية وانتقالها من النجف إلى قم يحتاج إلى مراجعة؛ لأن بعضه غير دقيق، لكن ما يتعلق بموضوع المقال ( الشعائر الحسينية) وسؤال الطالباني لصدام عنها، وسبب منعها وفي الوقت نفسه السماح لمريدي الطرق الصوفية بممارسة طقوسهم حتى أن التلفزيون العراقي يعرضها،  كان جواب صدام إن البعث ليس ضد الشيعة، كمذهب إنما هم يتصدون لمن يستغل مشاعر الناس ضد البعث!
إن إجابة صدام في هذا الحوار تتنافى مع سياساته التي اعتمدها ضد الشيعة في العراق بشكل عام، والشعائر الحسينية بشكل خاص، بدءاً من سبعينيات القرن العشرين، وصولاً إلى تاريخ إجراء اللقاء في آذار 2002م، وهذه النتيجة من البديهيات لدى الشيعة، لكن بعضهم يعمل على نفي الطائفية عن صدام والبعث؛ لأنه يغيب الدراسات الوثائقية والتقارير الأممية التي تدين صدام ونظامه، وينكر المقابر الجماعية، والسجون، والتهجير، وقتل العلماء والخطباء، والقائمة طويلة في سلسلة جرائم صدام ونظامه ضد شيعة العراق.
ختاماً، إن هذه المقدمات الثلاث التي تم تقديمها في المقالين السابقين والمقال الحالي حول سياسة نظام البعث تجاه الشعائر الحسينية تبيّن أن تلك السياسة اتخذت مسارات ثلاثة: الأول، يتمثل بتشكيل لجان لدراسة الشعائر الحسينية، والمسار الثاني عبر استهداف مباشر للشعائر، والمسار الثالث الاستهداف الإعلامي. وقد اعتمد البعثيون إجراء تغييرات طارئة في سياساتهم الرسمية المتعلقة بشهر محرم، وقد أجريت تعديلات عليها منتصف الثمانينيات والتسعينيات.