banarlogo

جرائم نظام البعث في العراق في تقارير منظمةالعفو الدولية قتل وتعذيب النساء

الحلقة الخامسة
د. رائد عبيس
عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
أولت منظمة العفو الدولية اهتماماً استثنائياً بالنساء اللواتي نالهن التعذيب والقتل على يد زمرة حزب البعث الإجرامية، وذلك بناءً على تاريخها واهتمامها بملف حقوق الإنسان في العراق، ولا سيما أولئك القابعون تحت السجون والمعتقلات والاحتجاز العتسفي الذي طال العراقيين، ولا سيما النسوة على يد سلطة نظام البعث القمعية.
تباينت مستويات الضمانة الحقوقية للنساء العراقيات؛ بسبب اضطراب الحكم في العراق، والتحولات السياسية بين الأنظمة والسلطات، واستمر الحال كذلك حتى وصل بنا الأمر إلى الحرب العراقية الإيرانية، وما تلاها من غزو الكويت والحصار الاقتصادي وحتى سقوط النظام. ([1])
هذه محطات كبرى أنهار بها وضع المرأة العراقية من حيث نمط الحياة بشكل عام . أما إذا كان الأمر يخص حالات محددة فنكون عندها قد أقتربنا من تفاصيل دقيقة نكتشف بها أن المرأة العراقية كانت في وضع مأساوي حقيقي، وهي تعاني تحولات مميتة في حياتها، بل وصادمة.
مع صعود حكم نظام البعث في العراق بدأت معالم المرأة العراقية في التحول إلى الطريق الخطير، فحين بدأت حمالات الاعتقالات على أساس الإنتماء السياسي وسجن عشرات الآلاف من المعتقلين، وتنفيذ الإعدامات بالآلاف من الرجال، وكذلك هجرة الآلاف من العراقيين إلى الخارج، بدأت هذه الظروف تترك أثرها على المرأة العراقية، فأصبحت بها الأرملة، والعانس، والمطلقة، والمهجورة. فوجدت نفسها في تحول جديد وضعها في قلق وجودي كبير، ظهر فيما بعد على طريقة اختيار شكل حياتها، أو تغييرها نحو ما آلت بها الظروف.  هذه الظروف الاستثنائية والمباغتة شملت جميع نساء العراق في الشمال والجنوب؛ حيث كانت سطوة سلطة حزب البعث.
أما الظروف الخاصة التي ألمت بالمرأة العراقية فكانت سبباً فيما بعد في اعتقالها وقتلها وتعذيبها محاولة انخراطها في مواجهة هذه الظروف ومحاولة تغيير شيء منها، فشاركت الرجل المعارضة السياسية، فنال كثير من النسوة ما نال الرجال من مخاطر المعارضة، من سجن وتعذيب وإعدام.
أما بقية النسوة من بنات وأمهات وزوجات المعارضين، فلم يسلمن كذلك مما نالهنَّ من تعذيب، وملاحقة، وسجن، وقتل، وتهديد، وحرمان، ومضايقة، وتهجير، وهجرة.
فالآثار المباشرة وغير المباشرة لأذى سلطة حزب البعث الإجرامية بحق العراقيين عموماً والنساء خصوصاً خلّفت في وجدان المرأة العراقية ندوباً كبيرة من تجاربها مع السلطة والقمع والاضطهاد ما زالت مستمرةً.
فنتائج الحروب معروفة من حيث أثرها على طبيعة حياة المرأة في هكذا ظروف، إلا أن ما لم يكن معروفاً لدى العراقيين في وقتها هو حجم القمع والقرارات الجائرة والقوانين العقابية المبالغ فيها بحق النساء، ولا سيما على المستوى التنفيذي في المؤسسات السجنية، وأماكن الاحتجاز. فكان ذلك بالنسبة لها تحدياً كبيراً على مستوى قيمها ومبادئها وشرفها ومكانتها وموقفها من كل ما تلزمه وتلتزم به. وهي ترى نفسه معتقلة، ومكبلة، ومعذبة، ومغتصبة، ومنتظرة في طوابير الإعدامات، ومعلقة على المقصلة. شملت من كانت تنتمي إلى أحزاب إسلامية، وغير إسلامية حظرها حزب البعث، وأنهى وجوده كلَّ تنوع سياسي في العراق، حيث تصاعد ديكتاتوريته الشمولية باتجاه الحزب الواحد.
من القرارات الصادمة للمرأة العراقية التي هددت وجودها إلى اليوم هو قرار ترحيل التبعية الصادر بتاريخ 5 / 4/1981 والمرقم 474.  بحق الكورد الفيليين، هذا القرار خلف معاناة استثنائية للمرأة العراقية، فبين ليلة وضحاها، أصبحت أرملة، أو مطلقة، أو مُرحَّلة، أو معتقلة، أو من دون أولاد، أو مرمية على الحدود، أو مهجرة في خيم المهجرين والمرحلين قسراً. واستمر الحال كذلك في معاناة النساء بين كل عملية وعملية، أو قرار وقرار. ([2]) واستكمل البعث الصدامي إجرامه بحق النساء العراقيات قتلاً وتنكيلاً حين بدأت عمليات الأنفال التي خلفت الآلاف من النساء وبشكل مفاجئ موتى على الطرقات وبين المزارع، وداخل البيوت، أو نازحة هاربة من القتل والتعذيب أو لاجئة إلى بلدان الجوار كتركيا وإيران. وبعدها جاء دخول الكويت المفاجئ، الذي تسبب بكارثة مزدوجة على النسوة العراقيات في الداخل والخارج. فكثير من النساء العراقيات المتزوجات في الكويت طلقهنّ أزواجهنّ من الكويتيين، وكثير من النساء العراقيات ترملن أو تركن معلقات مع آمال الفقد وعودة المفقودين من الأولاد والأزواج والآباء.
فقد أشارت منظمة العفو الدولية إلى هذا المستوى من الإنحدار في حقوق المرأة العراقية، وعناصر الأمان الاجتماعي المفقود في العراق التي أثقلها الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي.
هذا ولم تكتف المنظمة في رصد حالات القمع والقتل والتعذيب الممنهج الذي مارسته السلطة البعثية بحقهن، بل رصدت حالات العنف المضاعف من قبل السلطة والمجتمع معا، حيث حالات العنف الاجتماعي اتجاهها حين أملت بها الظروف، وبدأت تأخذ بطريقها نحو الاندماج الاجتماعي، والمهني لتوفير حياة كريمة لها ولعائلتها وأولادلها.
وأشارت المنظمة إلى ضعف التشريعات العراقية الضامنة لحماية المرأة من التعذيب البدني، أو تخفيف العقوبة، أو رفع عقوبة الإعدام بحقها وتخفيفها إلى أحكام أقل شدة وقسوة، بالإضافة إلى ضعف التشريعات الحامية لها من العنف الاجتماعي ونواتجه.([3])
[1] IRAK: LAS PERSONAS PRIMERO Amnistía Internacional
[2] See: IRAQ Human rights abuses in Iraqi Kurdistan since 1991.
[3] See: Iraqi Women: Lost Liberties Alternatives, Summer 2010.