جرائم نظام البعث في العراق في تقارير منظمة العفو الدولية
الحلقة الأولى
د. رائد عبيس
عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
بدأت منظمة العفو الدولية نشاطها في العراق إبان سبعينيات القرن الماضي، حين توسعت اهتماماتها الحقوقية من سجناء الرأي إلى جميع الانتهاكات الحقوقية التي يتعرض لها المواطنون في ظل حكوماتهم، وأنظمتهم، وتنظيماتهم في دولهم، ولا سيما مع تلك الدول التي لها التزامات، ومواثيق ومعاهدات مع منظمات دولية، وحقوقية، ومجالس الأمم المتحدة.
بدأ رصد انتهاكات الحكومات العراقية في ظل النظام البعثي الحاكم الذي أمسك بالسلطة منذ عام 1968 إلى عام 2003. ووجدت هذه المنظمة وفرقها البحثية المراقبة حالات خرق كثيرة للقوانين الضامنة لحقوق الإفراد السياسية، والثقافية، والاقتصادية، والمدنية، وإن حكومات البعث المتعاقبة قبل تولي صدام حسين الحكم الأطول مدة بين حكومات قادة بعثيين آخرين، مثل: البكر، وعبد السلام عارف، وعبد الرحمن عراف. وما بعد تولي صدام حسين الحكم؛ لم تختلف كثيراً حينها – وإن تعاظمت هذه الانتهاكات فيما بعد- من حيث منهجية الانتهاكات الحقوقية المشار إليها في الدستور العراقي لسنة 1970، أو الملزمة للعراق في مواثيق دولية أخرى قد وقع العراق التزامه بها، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
ونتيجة هذا الرصد، وجدت منظمة العفو الدولية بأن الأمر في العراق في ظل النظام البعثي وسياسته المتبعة مع المواطنين العراقيين مقلق للغاية، ويحتاج إلى تطوير أساليب الرصد، والمتابعة، وملاحقة الشهادات، والأدلة بما يعزز الإدانة المستحقة، لكل سياسة البعث بحق المواطنين العراقيين.
ولم تقف عند حد البلاغات التي تأتيهم من أفراد معذبين في سجون البعث، وإن كانت تعترف بصعوبة توثيق هذه الانتهاكات من داخل السجون البعثية، أو عبر مساءلة العراق عبر ممثله في حضور حكومة البعث في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أو في جمعيات حقوقية عالمية، كانت تقابلها بالتفنيد والتكذيب. كانت تضطر حينها إلى تسجيل إفادات الضحايا، وفحصهم طبياً، وتسجيل حالاتهم، وجمع القرئن، ومقابلة الشهود، وتزامن البلاغات… وغيرها من الإجراءات التي تعزز قناعة التحقيق بما يخلفه الإجرام البعثي بحق ضحاياه.
وقد اتبعت منهجية واضحة في ذلك، بما يؤكد لها سلامة المعطيات المتأتية من هناك، مثل:
- تلقي بلاغات من الضحايا بما تلقوه من تعذيب وممارسات بعثية لا إنسانية مع المعتقلين والسجناء.
- تسجيل إفادات الضحايا والإبلاغ عنها في دوريات النشاط اليومي، مثل: الصحف، والمقابلات التلفزيونية، والتقارير الدولية وغيرها.
- تسجيل أساليب التعذيب التي يتعرضون لها الضحايا، وعرض اللافت منها، والغريب من طرق وحشية متبعة فيها.
- عرض أساليب التعذيب المتبعة بحق النساء بشكل خاص، لما لها من آثار اجتماعية خطيرة بحق المجتمع، مثل حالات الاغتصاب المتكررة في محافل الدفاع عن الحق لإدانة النظام البعثي فيها.
- تسجيل حالات تعذيب الأطفال أمام أهاليهم.
- عرض نماذج موثقة من أدوات التعذيب والإعدام، المتبعة بشكل منهجي، أو بشكل فردي، من قبل عناصر البعث المدانين باستعمالها.
- عرض الضحايا من أصحاب البلاغات للمنظمة إلى لجان فحص طبي، لفحص ما يشكون منه من مواطن التعذيب في أجسادهم
- توافر الأدلة عن أقدم حالة تعذيب، وأولها عند استلام حزب البعث إدارة الدولة في العراق مع حالات متكررة من قبل عناصره الأمنية في السجون، والفرق الحزبية، ودوائر الأمن بما يؤكد أنه أسلوب بعثي خاص بطريقته بالتعامل مع السجناء، والمعتقلين المعارضين لحكمه، أو المتهمين بذلك.
- تذكير حكومة البعث بشكل دائم، وعبر كل الفرص المتاحة بالتزاماته بالتشريعات المحلية وتعهداته الدولية، ولكن حكومة البعث تتنصل عن تعهداتها، وبشهادة هذه المنظمة الدولية حينها. ([1])
تأكد لدى منظمة العفو الدولية أن حكومة البعث في العراق مارست إجرام غير متناهٍ بحق معارضيها السياسيين بشكل خاص من مختلف المكونات العراقية، وهذا ما قدمته في تقاريرها المستمرة عن حالات التعذيب المستمرة، طيلة حكم حزب البعث في العراق.
([1]) ينظر: منظمة العفو الدولية، دليل التعذيب، صادر عن مكتب منظمة العفو الدولية في لندن، 1981.