الكاكائيون في تقارير فريق التحقيق الدولي بجرائم داعش يونيتاد
د. رائد عبيس
عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
أكدت المعطيات التحقيقية لفريق الأمم المتحدة يونيتاد بالتحقيق في جرائم داعش أن جرائم تنظيم داعش الإرهابي طالت بشكل واضح طوائف عراقية، كان قد أصدر بها التنظيم حكم بالقتل، والإبادة، والسبي، والتهجير، وارتكب معها جرائم ترقى بحسب تعبير التقرير إلى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة جماعية.
وكان من ضحاياهم أصحاب الديانة الكاكائية الذين طالهم الإجرام الداعشي عبر التهديد، والتهجير، والاعتداءات المتكررة التي أدت إلى نزوح أعداد كبيرة منهم، فضلاً عن تكفيرهم وقتلهم.
وبما أن الديانة الكاكائية كانت قد شاركت مكونات أخرى صدور بيان الأديان حول جرائم داعش، وأفادت شهادات أبناء هذه الديانة عمّا لحقهم من إجرام من تنظيم داعش وعن جهود فريق التحقيق الدولي حول مساءلة عناصر داعش وتحقيق العدالة. وعززت من عناصر الإثبات جرائم التنظيم على مستوى التضحيات البشرية والموروث الثقافي لهذه الديانة من أماكن عبادة، وتهديم المنازل والمواقع الخاصة بهم ولا سيما الأماكن التاريخية.
وقد ورد ذكر هذا المكون الديني في تقارير فريق التحقيق الدولي في مراحل متصاعدة نحو الإثبات القطعي لكل الجرائم التي ارتكبها التنظيم بحقهم. من خلال رغبة الفريق في تطوير العلاقة مع الجهات الوطنية الرئيسة، ومكونات المجتمع العراقي بما فيهم الكاكائيين.[1] الذين أقروا وثيقة (بيان الأديان حول ضحايا داعش) إلى جانب علماء شيعة، ومسيح وسنة، وإيزيديين شددوا على اتخاذ إجراءات متضافرة لمساءلة أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية داعش، عبر مشاركاتهم في هذه المطالب والمناقشات التي تعقد للتباحث في شأن هذه المكونات وتوثيق ما تعرضوا له عن قرب، وكان الاجتماع الذي شارك به نائب الأمين العام خلال زيارته للعراق قد حددت فيه لجنتان للتحقيق الميداني عن الجرائم التي قام بها تنظيم الدولة داعش وطالت الضحايا من الطائفة الكاكائية. بما في ذلك التراث الثقافي الذي تعرض إلى حملات من التخريب والإزالة والتدمير. وقد ذكر مكتب المستشار الخاص أن هذا البيان جاء ليعبر عن التماسك الاجتماعي، ومثل من وجهة نظره أي تقارب اجتماعي ووطني، من شأنه أن يُعزز فرص السلام والتلاحم الاجتماعي، وبعدها يشجع هذه المبادرات فرص التعاون مع فريق التحقيق الدولي ويجعل النتائج أكثر مقبولية، وإن كان هناك مزيد من النتائج لم تظهر بعد؛ نتيجة الكم الهائلة للأدلة المادية المرقمنة التي احتفظ بها الفريق ولم يتمكن من تحليل معظمها لسعة حجمها إذ بلغت ما يقارب (30) مليون وثيقة.
الموروث الثقافي للديانة الكاكائية:
دمّر تنظيم داعش ما لا يقل عن عشرات المواقع التراثية الثقافية الشيعية والسنية والمسيحية والإيزيدية والكاكائية في المواقع مثل: وردك وغزكان وتل البان، ذات الأغلبية الكاكائية. على العكس من المواقع المسيحية التي اتبع بها داعش طريقة الحرق، والنهب، والاتلاف، وخُربت، ونُهبت، وفي بعض الحالات استخدمها تنظيم داعش للتدريب العسكري، أو للتدريب على الرماية، أو محاكم ومراكز احتجاز.
وأن التنظيم قد دمر ما يقرب من نصف القبور في مقبرة كابرلي، التي يستخدمها كل من الكاكائيين والشبك، أثناء سيطرته على القرية. ضمت المقبرة حوالي (1000) قبر. تنتمي غالبية القبور المدمرة إلى الطائفة الكاكائية التي غالبًا ما كانت تحمل علامة “الكاكائية”. فضلا عن تدميره بشكل أساس المواقع الدينية والثقافية الكاكائية، مثل: موقع مجمع ضريح سيد هياس أو شاه هياس، الذي يضم أضرحة سيد هياس، وبير دستاوار، وبابا علي، وبابا غلاب، وبابا شمراد، بالإضافة إلى حديقة ومقبرة كاكائية. ويوجد جمخانة كبيرة تُستخدم لأغراض دينية وتجمعات ثقافية بجوار ضريح سيد هياس. تُعد هذه الأضرحة أماكن للطقوس والتقاليد الدينية. في أغسطس 2014 فجّر تنظيم داعش ضريحي سيد هياس وبير دستاور باستخدام المتفجرات. ودُمّرت أضرحة بابا علي وبابا غلاب وبابا شمراد. وهذه كلها تعد المرحلة الأولى من الاستهداف الداعشي لهذه المكونات وأماكنها المحترمة، وهناك مرحلة ثانية من الاستهداف تمثلت بالسرقة والنهب وعملية التدمير المضاعف.
وتضرر عدد كبير من القبور في المقبرة، وتحديدًا تلك القبور التي تحمل علامة سيد [“диﮫс”] أو شهيد [“дﯿэрэ”] أي قبر أي شخص كان زعيمًا روحيًا في المجتمع الكاكائي. كما دُمرت الحدائق. وبينما تُركت جدران الجامخانة سليمة إلى حد كبير، أزال تنظيم داعش النصوص والرموز الدينية الكاكائية ومن المرجح أنه دمرها من الموقع وهذا يعد جزءاً من المرحلة الثانية التي اتبع فيها التنظيم أسلوب إخفاء وإزالة أي رمزية للديانة.
مثلما فعله التنظيم بمرقد السيد مهدي الذي يقع على بعد حوالي (200-300) متر شرق مجمع مرقد السيد هياس، وقد بُني عام 2009 وهو محاط بحديقة. وقد دمر تنظيم داعش هذا المرقد في المدة ما بين 8 أغسطس و28 سبتمبر 2014. وإنه تبع عملية التدمير تلك بتدمير جمخانة أخرى في القرية نفسها، كان ذلك في 10 أغسطس 2014 أو بعده. وقد احتوت على أربعة كتب سرنجم التي تحتوي على أهم النصوص المقدسة لدى الكاكائيين، وخمسة كتب بياض، واثنين من الطنبورين، وهما آلات موسيقية تُستخدم في طقوس الكاكائيين – ويُعتقد أن جميع هذه العناصر قد سُرقت أو دُمرت على يد تنظيم داعش.
في المدة ما بين 8 أغسطس و28 سبتمبر 2014 تقريبًا، دمر تنظيم داعش ضريحين كاكائيين وهما: ضريح بابا يادكار، الواقع في قرية تل البان الذي بُني منذ حوالي (100) عام. كان الضريح يحتوي على قطع أثرية ثمينة، مثل الآثار الأصلية والكتب والنصوص الدينية، بما في ذلك نسخ من القرآن الكريم. دمر تنظيم داعش الضريح وجميع القطع الأثرية باستخدام المتفجرات.
وضريح بابا حيدر، المعروف أيضًا باسم شاه حيدر، الواقع في غزكان يضم المزار أيضًا جمخانة وغرفة زوار وحديقة بها أشجار زيتون. يرتاده جميع الأشخاص الذين يرغبون في تقديم أمنية، والمعروفة أيضًا باسم نياز. نهب داعش المزار ودمره. وتم تدمير موقع ديني آخر على الأقل في تل البان. بالإضافة إلى ذلك، دمر داعش أشياء دينية مهمة، بما في ذلك الطنبور، وغيرها من الأشياء الرمزية.
لذلك لم يتمكن الكاكائيون المقيمون في الأراضي التي استولى عليها تنظيم داعش من ممارسة أو المشاركة في العادات الدينية والتقليدية التي اعتبرها التنظيم غير متوافقة مع تفسيره للإسلام، حالهم في ذلك حال المسلمين الشيعة والايزيديين والمسيحيين. [2]
فالمكون الديني الكاكائي قد أسهم من خلال جهود فريق التحقيق الدولي المعني بمساءلة عناصر داعش وتحقيق العدالة في الإدلاء بالشهادات الحية حول ما ارتكبه التنظيم، ووثق أجزاءً كبيرة مما تعرضت له عمارته الدينية وموروثه الثقافي، فضلا عن تهديم القرى والمنازل وتهجير وقتل طائفة كبيرة منهم. وشكلت تلك المعاناة وسائل مؤكدة لإثبات جرائم داعش التي طالت جميع مكونات المجتمع العراقي وهددت تنوعه، وكان لهذه المساهمة أثر في إعادة بناء كثير من المواقع الدينية التي دمرها التنظيم وإعادتها على ما كانت عليه.