د.محمد جبار الكَريزي
مقدمة:
في (21) آب من كل عام، يحيي العالم “اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وإجلالهم”، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار (165/72)، بهدف تكريم الضحايا والناجين من الأعمال الإرهابية، وتعزيز التمتع الكامل بحقوقهم وحرياتهم الأساسية. ولا شك أن هذه المناسبة تحمل خصوصية شديدة في السياق العراقي، نظرًا لتجربة العراق العميقة والمؤلمة مع الإرهاب، سواء كان ذلك إرهاب الدولة ممثلًا في نظام المجرم صدام حسين قبل 2003، أو إرهاب التنظيمات المتطرفة ما بعد 2003، وعلى رأسها تنظيم القاعدة ثم تنظيم “داعش” الإرهابي.
هذه المناسبة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2017، جاءت لتسلط الضوء على معاناة ضحايا الإرهاب والناجين منه، ولتكون صوتاً يطالب بالعدالة والاعتراف بآلامهم. وتهدف إلى تكريم الأرواح التي أزهقتها الهجمات الإرهابية، وتقديم الدعم للمتضررين، تأكيدًا أن مكافحة الإرهاب لا تكتمل إلا برعاية الضحايا، وضمان حقوقهم في التعويض والمساندة والإنصاف.
أولاً: الإرهاب في العراق قبل 2003 – إرهاب الدولة المنظم
مارس نظام المجرم صدام حسين، الذي حكم العراق بقبضة أمنية حديدية منذ 1979 وحتى سقوطه في 2003، إرهاباً ممنهجاً ضد أبناء الشعب العراقي، وشملت انتهاكاته:
-
الإبادة الجماعية ضد الأكراد في حملات الأنفال (1988)، إذ تشير التقارير الدولية إلى مقتل ما لا يقل عن (100) ألف مدني كردي، وتدمير آلاف القرى.
-
قمع الانتفاضة الشعبانية عام 1991، التي انطلقت في الجنوب والوسط، وقوبلت بعنف دموي خلّف عشرات الآلاف من الضحايا.
-
الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري للمعارضين السياسيين، سواء من الإسلاميين أو القوميين أو الليبراليين، إذ تحولت السجون مثل “أبو غريب” إلى رموز للرعب والانتهاك.
-
التهجير القسري والتغيير الديمغرافي، خصوصًا في كركوك والمناطق ذات التنوع القومي والمذهبي.
وقد شكل هذا النمط من الحكم إرهاباً بنيوياً مؤسساتياً، تتحمل مسؤوليته الدولة، وهو ما يجعل ضحاياه بحاجة إلى عدالة انتقالية حقيقية، وجبر ضرر، وتوثيق رسمي للانتهاكات ضمن الأطر الأممية التي تحترم حقوق الإنسان.
ثانيًا: الإرهاب ما بعد 2003 – صعود الجماعات المتطرفة
شهد العراق بعد ٢٠٠٣ أنشطة إرهابية لقوى رافضة للتغيير مارست الإرهاب ضد عناصر الدولة والمجتمع العراقي الداعم للتغيير الرافض للبعث، وتطورت لاحقاً لتعقد شراكاتها مع تنظيم القاعدة، كالجيش الإسلامي وجماعة النقشبندية، إذ دخل العراق في مرحلة جديدة من الإرهاب، تمثلت بصعود الجماعات التكفيرية والمتطرفة، وعلى رأسها:
-
تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي قاد موجة من التفجيرات الدموية بعد 2004، مستهدفًا المدنيين والبنية التحتية.
-
تنظيم “داعش” الإرهابي الذي سيطر في عام 2014 على ثلث مساحة العراق، وارتكب جرائم إبادة جماعية بحق الإيزيديين في سنجار، واستهدف المسيحيين والشيعة والسنة المعارضين له على حد سواء.
-
جماعات إرهابية متفرعة أخرى مثل: “جيش المجاهدين”، و”كتائب ثورة العشرين”، و”الجيش الإسلامي” و”جماعة النقشبندية، و “جيش أنصار السنة” التي تبنت الفكر التكفيري أو الجهادي بدرجات متفاوتة.
لقد خلّفت هذه الجماعات مئات الآلاف من الضحايا بين قتيل وجريح ونازح، ودمّرت المجتمعات المحلية، وتسببت في انهيار النسيج الاجتماعي في مناطق متعددة. ويُعد ما حصل في الموصل وتكريت وسنجار مثالاً صارخاً على عنف هذه التنظيمات.
ثالثًا: الحاجة إلى دعم متعدد الأبعاد لضحايا الإرهاب في العراق
يتفق الإطار الأممي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب مع الواقع العراقي في تأكيد:
-
الحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي واقتصادي طويل الأمد للضحايا، إذ إن آثار العنف لا تنتهي بانتهاء العمليات العسكرية.
-
أهمية التوثيق والرواية والاعتراف بالضحايا كخطوة للعدالة، وهو ما يحتاج إلى جهود وطنية ومؤسساتية تضمن حق الضحايا في الذاكرة والإنصاف.
-
دور الدولة الأساسي في وضع استراتيجيات وطنية لدعم الضحايا، بما في ذلك القوانين التعويضية، وبرامج إعادة الإدماج، والدعم القانوني.
-
تعزيز أصوات الضحايا كفاعلين في مواجهة الإرهاب، لا مجرد متلقين للمساعدة، من خلال دعم المبادرات التي يقودها الضحايا أنفسهم، أو مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بقضاياهم.
ويعاني كثير من الضحايا في العراق اليوم من الإهمال المؤسسي أو ضعف الموارد، رغم مرور سنوات على تعرضهم للإرهاب، ما يتطلب تحريك المسؤولية الوطنية والمجتمعية والدولية لإنصافهم.
رابعًا: الأمم المتحدة ودورها في دعم العراق
أكدت استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب (قرار الجمعية العامة 60/288) على أن تجريد الضحايا من إنسانيتهم هو من العوامل المغذية للإرهاب، وأن تعزيز حقوق الإنسان هو الأداة الأنجع لمكافحة العنف. وفي هذا السياق يمكن للعراق:
-
الاستفادة من برنامج دعم ضحايا الإرهاب التابع للأمم المتحدة في بناء قدرات مؤسساته ذات العلاقة (مثل وزارة الهجرة والمهجرين، ودوائر الرعاية الاجتماعية، ومؤسسة الشهداء).
-
تفعيل بوابة دعم الضحايا الإلكترونية التابعة للأمم المتحدة لتوثيق القصص والشهادات.
-
التعاون مع مجموعة أصدقاء ضحايا الإرهاب، التي أنشئت عام 2019، لتعزيز الدعم الدولي والمناصرة.