د. قيس ناصر
في المقال السابق ضمن (المقدمة الأولى) تمت الإشارة إلى العلاقة بين الشعائر الدينية وتماسك الجماعة، وإن استهداف الشعائر الحسينية يُعدّ استهدافًا لهوية الشيعة، واستُعرضت نماذج من سياسات نظام البعث قبل عام 1979م تجاه الشعائر عبر أدوات متعددة. أما هذا المقال (المقدمة الثانية)، الذي يُعنى بسياسة نظام البعث تجاه الشعائر الحسينية في حقبة (1979-1991م)، التي يمكن التعبير عنها بأنها بدأت من لحظة اجتماع المجلس الأعلى لأمن الدولة في آذار 1979م، إذ كشف صدام – حينما كان نائباً – عن قراره في السيطرة على الشؤون الدينية في العراق.
ونقلاً عن صموئيل هلفونت، مع وصول صدام إلى الرئاسة زاد تركيزه على الشؤون الدينية، وبدأ نظامه بصياغة أساليب مختلفة للتعامل مع مراسم شهر محرم، من حيث وضع الخطط الأمنية لكل محافظة، وتنسيق جهود حزب البعث والجيش والأجهزة الأمنية المختلفة، وأنشأ النظام مجالس موحدة وخاصة لمراقبة المراسم، ووضع بعض الأشخاص تحت الرقابة الشديدة.
ويمكن فهم سياسة نظام البعث تجاه الشعائر الحسينية من خلال اللجان الرئيسة التي أشرفت عليها قيادات النظام، إذ تم تشكيل لجان عدة، وصدرت عنها تقارير عدة؛ وصف بعضها بالركيكة على حد تعبير أحد أعضائها (فاضل البراك)، ومن هذه اللجان:
- لجنة تقييم التهديدات المحتملة من الفعاليات الشيعية خلال زيارتي عاشوراء والأربعين، برئاسة علي حسن المجيد، وعضوية فاضل البرك وعبد الخالق عبد العزيز وصبحي علي الخلف وخالد عبد الحميد طبرة وعدنان داود سلمان وفوزي رشيد عبدالله، وذلك بتاريخ 15/10/1983م. وأنجز تقرير اللجنة في سنة 1984م.
- لجنة عليا برئاسة عزة الدوري وعضوية حسن العامري ونعيم حداد ومحمد حمزة الزبيدي وسعدون حمادي وكامل ياسين رشيد، وذلك بتاريخ 10/تشرين الثاني 1984م، ولم تكن مهام هذه اللجنة الشعائر الحسينية بشكل خاص، إنما دراسة أوضاع الحوزة، وطريقة قبول الطلبة، واحتل موضوع الشعائر اهتماما في التقرير، وأنجز تقرير اللجنة في سنة 1985م.
- لجنة في سنة 1987م برئاسة عزة الدوري، وعضوية سعدون شاكر وحسن علي ومحمد حمزة الزبيدي وعبد الحسن راهي الفرعون وسعدون حمادي وفوزي خلف أرزيق، ومدير جهاز المخابرات ومدير الأمن العام ووزير الأوقاف والشؤون الدينية ووزير الثقافة والإعلام ومحافظ النجف، وأكملت اللجنة في عملها نتائج تقارير (1984، 1985م)، اللذين أعدتهما اللجان السابقة.
- وفضلاً عن تقارير اللجان الرئيسة المشكلة من قيادات نظام البعث، وهنالك تقارير تصدر عن أجهزة أمنية وترفع إلى وزير الداخلية، مثل: التقرير الخاص بركضة طويريج، وهو أيضاً في تشرين الأول 1987م، وتقارير أخرى؛ لأن الأرشيف الوثائقي الخاص بمراسم الشعائر الحسينية يحتوي على آلاف الوثائق، وذلك نقلاً عن هلفونت، بعضها قد اطلع عليها الباحث.
وثيقة تُبين تشكيل اللجان الثلاثة (لجنة علي حسن المجيد وتقرريها في 1984م، ولجنة عزة الدوري وتقرريها في سنة 1985م، ولجنة عزة الدوري الثانية في سنة 1987م)
والمسار الذي تحدد في حقبة الثمانينات هو وضع استراتيجيات لمنع الشعائر الحسينية، وفيما يتعلق بمضمون تقرير لجنة علي حسن المجيد، الذي تضمن محورين – بالإفادة من ملاحظات عباس كاظم:
المحور الأول/وهو المحور الإيجابي على وفق رأي اللجنة؛ نتيجة مشاهدات إيجابية لتناقص المشاركين في أحياء الذكرى، بسبب تسفير عشرات الآلاف إلى إيران على وفق التقرير، الذي ذكر أن عدد المشاركين في إحياء ذكرى عاشوراء هو (120) ألفاً؛ وهو نصف عدد المشاركين في السنوات السابقة، أما زيارة الأربعين فقد أحياها (450) ألفاً، وعلى وفق التقرير أن العدد أكبر من السنوات السابقة؛ لأنه تزامن مع يوم عطلة.
أما المشاهدات السلبية على حد وصف التقرير التي يتطلب تحجيمها وفق المنظور البعثي، فهي تلخصت بـ (12) ملاحظة، تتعلق بنشاطات آية الله العظمى السيد الخوئي (قد)، وأبنائه وأتباعه، ليس في محافظتي النجف وكربلاء فحسب، إنما في مُدن عراقية أخرى، مثل: البصرة وميسان وسامراء والمشخاب والحمزة وكركوك وغيرها، ومن ملاحظات تقرير لجنة علي حسن المجيد، كما لخصها عباس كاظم، هي:
- عمل مرجعية السيد الخوئي على إعطاء الزخم لديمومة المناسبة وممارستها.
- إقامة مجالس التعزية ونصب مكبرات الصوت لقراءة المقتل.
- قيام أولاد السيد الخوئي وبعض أفراد حاشيته بممارسة اللطم والبكاء.
- وجود علاقة تنسيقية جيدة بين السيد الخوئي وحاشيته مع عائلة آل بحر العلوم.
- تجوال السيد الخوئي على المواكب المنصوبة على طريق نجف – كربلاء، وقيام أحد أفراد حاشيته بتوزيع مبلغ (50 دينارا) على كل موكب، فضلاً عن تقديم مواد عينية، مثل: الشاي والسكر والرز، وقد بلغت الأموال المصروفة على ذلك (15) ألف دينار
- قيام جماعة السيد الخوئي بـحث أصحاب المجالس الحسينية على عدم مدح سلطة البعث.
- قيام أولاد السيد الخوئي بتصوير عمليات الطبخ وتوزيع الطعام على الزائرين.
وكانت من توصيات التقرير (تحجيم تصرفات السيد الخوئي).
وعمل نظام البعث في تقاريره خلال حقبة الثمانينات على منع حضور الشباب إلى مجالس العزاء، والسماح فقط لكبار السن من الرجال بالحضور، مع تحديد وقت الانتهاء من المجلس في تمام الساعة التاسعة مساء، وذلك على وفق وثيقة صادرة بتاريخ 22/تشرين الثاني/1983م، مع السماح والمرونة للمتعاونين معه بالاستثناء من هذه الشروط، كذلك حظر استخدام مكبرات الصوت، واقتصارها فقط داخل المساجد والحسينيات، مع محاولته الحد من توزيع المواد الغذائية على المعزين، لكنه لم ينجح في ذلك على وفق رأي هلفونت.
وقد ناقش الدكتور عباس كاظم تقرير لجنة عزة الدوري الثانية، وبشكل مفصل، لأن اللجنة معنية بالأصل بدراسة الحوزة العلمية، لكن ما يهمنا هنا هو ما يتعلق بموضوع المقال (سياسة نظام البعث تجاه الشعائر الحسينية)، فإن محمد حمزة الزبيدي الذي كان عضو لجنة الدراسة، وفي جزء من مقترحه ذكر فيما يخص الشعائر الحسينية؛ التشديد على البعثيين بتجنب هذه الطقوس، التي تمارس في الحسينيات، وركضة طويريرج، ومحاسبة كل رفيق، وتأكيد الجهاز الحزبي في هذا الجانب للتخلص من هذه المظاهر مثلما تخلصوا من اللطم والزنجيل والتطبير على حد تعبيره.
واقترح سعدون حمادي – بوصفه عضو لجنة الدراسة – أمراً نال الاهتمام، وهو ضرورة المبادرة تجاه قُراء التعازي من الرجال والنساء لصناعة قُراء يؤيدون النظام البعثي من خلال دعمهم بالمال، علماً أن هذا الأمر على وفق ما لاحظه الباحث يمتد إلى التعليمات الخاصة بمحرم 1980م التي صدرت عن نظام البعث. أما حسن العامري، فذكر أنهم يتصدون لهذه الظواهر منذ مرحلة طويلة: مثل: التطبير، والزنجيل، وركضة طويريج، والمشي، ويمارسها مثقفون وأميون، وينبغي كل سنة تقديم دراسة عنها، ويتم متابعتها.
وهذا من جانب، ومن جانب آخر، حاول البعثيون سلوك مسار آخر، لتحقيق مشروعهم في التصدي لمراسم محرم من خلال تعميمهم لأسماء بعض خطباء المجالس الحسينية عبر السماح لهم، ومنعهم لخطباء آخرين، وذلك على وفق وثيقة صادرة في 7/تشرين الثاني/1983م، وضمت قائمة بأسماء 163 شخصية مسموح لهم بقراءة المجلس الحسيني، بعد أن نظم البعثيون معهم اجتماعات طلبوا فيها دعم النظام والتنديد بنظام الجمهورية الإسلامية في إيران، إذ تشير وثيقة إلى موافقة صدام حسين على مقترحات اللجنة الخاصة بالدراسة، التي منها تكليف بعثيين من الفرات الأوسط والجنوب للالتحاق بدراسة العلوم الدينية (رجال دين)، وورد ذلك في الوثيقة الصادرة في أيلول 1984م. مع الإشارة أن هذا المشروع لم يلتحق به من البعثيين بعد صدوره سوى (12) بعثياً من عموم العراق في حينها على الأقل.
(وثيقة تشير إلى التحاق البعثيين بدراسة العلوم الدينية ليكونوا رجال دين)
وفي السياق الوثائقي نفسه، نقلاً عن صموئيل هلفونت، هنالك وثيقة صادرة عن اتحاد النساء فرع النجف بتاريخ 18/8/1987م، تضمنت عقد اجتماعات مع بعض قارئات المجلس بالتعبير العراقي(الملاية)؛ لشرح ما هو مطلوب منهن خلال إحياء الشعائر الحسينية، وهذا الأمر يأتي أيضاً في مسار اختراق الفهم الديني للتشيع والشعائر.
ويشتمل المقال ضمن المدة (1979-1991م) أيضاً على نتائج تقرير لجنة دراسة ركضة طويريج، الذي عرضه المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد الصافي، وذلك في محرم 1446ه، وتضمن التقرير جملة من الإجراءات التي عمل عليها نظام البعث لمنع الشعائر الحسينية بطريقة الاستهداف غير المباشر، منها:
– منع المنظمين والمنتسبين من المشاركة بكافة الوسائل.
– وضع الخطط الإعلامية للتأثير على أفكار الناشئة واتجاهاتهم.
– إقامة مباريات رياضية ظهر يوم العاشر من محرم لإبعاد الشباب.
– إشغال الشباب بالسفرات الجماعية والمعسكرات الطلابية.
– منع اللطم في المسيرة.
– حث رجال الدين المتعاونين على التثقيف بعدم المشاركة.
(وثيقة تبين الصفحة الأولى من تقرير اختص بركضة طويريج أعدته مديرية الأمن العامة سنة 1987م)
ولاحظ الباحث أن سياسة نظام البعث تجاه الشعائر الحسينية في هذه المدة (1979 -1991م) وهي الحقبة التي تناولها الباحث في سلسلة مقالاته عن الموضوع ـ كانت تقوم على منهجية واضحة لمنع الشعائر، على وفق عمل لجان من قيادات حزبية وأمنية عليا في نظام البعث، هذا من جانب، ومن جانب آخر، إن عملية منع الشعائر الحسينية لم تكن منفصلة عن سياسة واسعة اعتمدها نظام البعث ضد التشيع بشكل عام والحوزة الدينية بشكل خاص.
(وثيقة تتضمن الإخبار عن شخص يوزع (هريسة) في محرم 1979م)
(وثائق تتضمن تعليمات شهر محرم الحرام لسنة 1980م)
(نقلاً عن مجموعة وثائق نشرتها مؤسسة الشهداء)
وثيقة عبارة عن تقرير كُتب عن إحدى النساء التي تقوم بتقديم الشاي للعزاء على الإمام الحسين (عليه السلام)على وفق مضمون التقرير وتحرض على الحزب