أ.د. حسين الزيادي
الوثيقتان المرفقتان ربطاً صادرتان عن مديرية أمن محافظة واسط، إحداهما تحمل العدد (5380) بتاريخ 5/4/2001، مضمون الوثيقة يتحدث عن إحالة مواطن عراقي – متهم – بحسب تعبير الوثيقة باسم: علي عبد الجبار جمعة محمد الربيعي من مواليد 1958 من سكنة قضاء الصويرة / حي الأسرى الذي ألقي القبض عليه من قبل قيادة فرع الصويرة لحزب البعث العربي الاشتراكي، بتهمة السير مشياً إلى العتبات المقدسة في كربلاء، وتؤكد الوثيقة أن المذكور هو أسير عائد من إيران، إذ أُسِرَ بتاريخ 4/3/1987، وعاد من الأسر بتاريخ 11/4/2000، بمعنى آخر أن هذا المواطن قضى في الأسر (13) سنة وشهراً وبضعة أيام، ويعاني من مرض نفسي بحسب قوله، وبحسب ما ذُكر في متن الوثيقة، واعترف المواطن الذي ألقي القبض عليه بممارسة المشي سيراً إلى كربلاء؛ لكونه نذر عندما كان في أقفاص الأسر بأنه سوف يذهب إلى كربلاء مشياً على الأقدام عند عودته من الأسر، ويذكر الكتاب أنه طُبِّقت التعليمات بشأنه، ودوّنت إفادته المفرزة التي ألقت القبض عليه.
الوثيقة الثانية تحمل العدد (10338) في 14/6/2001، أي أن هذا المواطن احتجز في دائرة امن محافظة واسط لمدة شهر وتسعة ايام، وهي المدة الفاصلة بين الوثيقتين، وبطبيعة الحال لا نعلم المدة المتبقية التي قضاها هذا المواطن في التوقيف وليس عندنا معلومة حول مصيره، لكننا نتحدث عن مدة الموقوفية ضمن التاريخ الفاصل بين الوثيقتين، ومضمون هذه الوثيقة لا يختلف كثيراً عن الوثيقة السابقة لكنها جاءت بتفصيلات أكثر عن هذا المواطن، فهناك ذكر لاسم والدته، ومكان أسره، ورتبته العسكرية عند الأسر، ووحدته العسكرية ومكانها، فضلاً عن عمله بعد عودته من الأسر، وأن المتهم بحسب تعبير الوثيقة ما زال موقوفاً في دائرة الأمن على الرغم من أن الوثيقة تؤكد عدم وجود (شيء) عنه منذ عودته ولحد الآن، وتقول الوثيقة إن المتهم اعترف بمخالفته للتعليمات من دون علمه بها.
الذي يلحظ من خلال الوثيقتين أن هناك انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان، فهذا المواطن الذي تم توقيفه من دون سبب مشروع لم تشفع له سنواته الثلاث عشرة التي قضاها في أقفاص الأسر؛ دفاعاً عن النظام، ولم تشفع له حالته الصحية ووضعه النفسي الذي نجم عن طول مدة الأسر، ومن ناحية أخرى كان المواطن يمارس حريته الدينية التي نصت عليها القوانين والمواثيق الدولية.
إن ما فعله نظام البعث يعدّ انتهاكاً فاضحاً لكل المواثيق والأعراف الدولية التي انضم إليها ووقّع عليها، فضلاً عن انتهاكه للدساتير العراقية، إذ إن الحق في حرية ممارسة الشعائر الدينية من أهم حقوق الإنسان، نظرا لارتباطه بالناحية الروحية للفرد، وقد عَمَد المجتمع الدولي إلى تناول هذا المفهوم في العديد من المواثيق والاتفاقيات الخاصة بالحقوق والحريات الأساسية، فقد نصت المادة )١٨( من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام ١٩٤٨م، إن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير، وإقامة الشعائر الدينية ومراعاتها، سواء أكان ذلك سراً أو علناً، ويشمل هذا الحق حرية تغيير دينه أو معتقده، وحرية إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
أما الضمانات ذات الطابع القضائي الدولي التي تكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية، فبالرجوع إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي أنشئت بمقتضى معاهدة روما 1998 التي تختص بثلاث جرائم هي: (جرائم الحرب والعدوان، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية)، فقد ورد بالمادة (7): (لغرض هذا النظام الأساسي يشكل اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو أثنية أو ثقافية أو دينية جريمة ضد الإنسانية)، وورد بالمادة (6): (لغرض هذا النظام الأساسي تعني الإبادة الجماعية أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكا كلياً أو جزئياً: ضمنها قتل أفراد الجماعة او إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة).
أما مسألة توقيف شخص ما بسبب ممارسة شعائره الدينية، أو لأي سبب آخر فهي الأخرى تعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي نص في المادة التاسعة على أن لكل فرد حقاً في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه، ولكل شخص حُرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني، ولكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض.