د. محمد جبار الكريزي
يستذكر العراقيون يوم 16 آذار من كل عام، الجرائم التي ارتكبها النظام البعثي الصدامي بحق أبناء الشعب العراقي، التي شملت مجازر: (حلبجة، والأنفال، والمقابر الجماعية، والانتفاضة الشعبانية، واغتيال العلماء، واستهداف الأحزاب)؛ إذ أقرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء عطلة رسمية في هذا اليوم استنادًا إلى أحكام المادة (1/ أولًا/ ل) من قانون العطلات الرسمية رقم (12) لسنة 2024.
وأصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 2023، قراراً يقضي بإدراج مادة دراسية تحمل اسم “جرائم حزب البعث البائد” في المناهج الدراسية للجامعات الحكومية والأهلية.
وعملت المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على توثيق جرائم حزب البعث عن طريق جمع وتحليل الوثائق التي تم العثور عليها بعد عام 2003، وإن الوثائق تشير إلى حجم هذه الجرائم، وقسوة الحزب الحاكم في ذلك الوقت، ومدى غطرسة أعضائه ورئيسه في قتل العراقيين الأبرياء. ونستعرض مجموعة من الوثائق والجرائم على وفق الآتي:
- مجزرة حلجة:
الهجوم الكيمائي على حلبجة بالأسلحة الكيميائية ضد الأكراد في 16 أذار عام 1988 في مدينة حلبجة في كردستان العراق خلال الأيام الأخيرة من الحرب الإيرانية العراقية. والتي أدين فيها المجرم علي حسن المجيد قائد حملة الأنفال بتهمة إصدار الأوامر بالهجوم، الذي تم إعدامه عام 2010، وكذلك حكمت محكمة هولندية في 23 كانون الأول عام 2005 على فرانس فان رجل الأعمال الذي اشترى المواد الكيميائية من السوق العالمية، وقام ببيعها لنظام المجرم صدام حسين بالسجن 15 عاماً. وفي أدناه وثيقة من منظمة استخبارات المنطقة الشمالية تتحدث عن الضربة الكيماوية لمدينة حلبجة:
- حملة الأنفال:
هي إحدى عمليات الإبادة الجماعية التي حصلت في زمن النظام البعثي الصدامي عام 1988 ضد الأكراد في إقليم كردستان العراق، إذ أوكلت قيادة الحملة إلى المجرم علي حسن المجيد الذي كان يشغل منصب أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث العربي الاشتراكي، وبمثابة الحاكم العسكري للمنطقة، وكان وزير الدفاع العراقي الأسبق المجرم سلطان هاشم القائد العسكري للحملة، وقد اعتبرت الحكومة العراقية آنذاك الأكراد مصدر تهديد لها، وقد سميت الحملة بالأنفال نسبة للسورة آية 8 من القرآن الكريم. و(الأنفال) تعني الغنائم، والسورة تتحدث عن تقسيم الغنائم بين المسلمين بعد معركة بدر في العام الثاني من الهجرة. قام بتنفيذ تلك الحملة قوات الفيلقين الأول والخامس في كركوك وأربيل، مع قوات منتخبة من الحرس الجمهوري، بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي، وأفواج ما يسمى بالدفاع الوطني التي شكلها النظام العراقي، وقد تضمنت العملية ستة مراحل.
في حزيران عام 2007، أُدين علي حسن المجيد واثنان آخران من المتّهمين هما سلطان هاشم أحمد وحسين رشيد محمد بتهمة الإبادة الجماعية، وبتهم أخرى، وحكم عليهما بالإعدام شنقًا. حُكم على اثنين آخرين من المتهمين وهما فرحان الجبوري وصابر عبد العزيز الدوري بالسجن المؤبد، وتمت تبرئة طاهر توفيق العاني بناءً على طلب النيابة. اتُّهم المجيد بجرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادةٍ جماعية، وقد أُدين في حزيران من عام 2007 وحُكم عليه بالإعدام.
وفي أدناه وثيقة صادرة من رئاسة الجمهورية تتحدث عن حملة الأنفال في زمن النظام البائد.
- المقابر الجماعية:
أصبحت المقابر الجماعية في العراق معروفة منذ الإطاحة بالنظام البعثي الصدامي عام2003. إذ قدر الخبراء الدوليون أن 300 ألف ضحية يمكن أن يكونوا في هذه المقابر الجماعية وحدها. وكذلك وثقت دائرة المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء- رئاسة الوزراء كثيراً من المقابر الجماعية في العراق.
وشملت المقابر الجماعية مسلمين شيعة، وأكراد، وآشوريين مسيحيين قتلوا بسبب معارضتهم للنظام البعثي بين عامي1983و 1991، في أدناه صورة لمقبرة جماعية في منطقة الشيخية ببادية السماوة في محافظة المثنى بالعراق، تضم رفات نساء وأطفال من ضحايا النظام البائد.
- الانتفاضة الشعبانية عام 1991:
سميت بالشعبانية لقيامها في شهر شعبان، ووقعت مباشرة بعد حرب الخليج الثانية في 3 آذار لعام 1991، أطلق عليها النظام البعثي الصدامي صفحة الغدر والخيانة، والغَوغاء، وسميت من قبل الأكراد بـ (الانتفاضة الوطنية)، شملت الانتفاضة أربع عشرة محافظة من أصل ثماني عشرة، واستمرت الانتفاضة ما يقرب الشهر، في أدناه وثيقة صادرة من رئاسة الجمهورية للبعثين للتصدي للانتفاضة الشعبانية عام 1991.
- استهداف العلماء:
أقدم النظام البعثي الصدامي على قتل كثير من علماء الدين، وفي أدناه وثيقة تتحدث عن مقتل السيد محمد باقر الصدر (ره).
- استهداف الأحزاب:
يعتبر حزب البعث الصدامي الأحزاب الدينية والسياسية في العراق العدو الأول له؛ لذا قام بحملة اعتقالات وإعدامات بحق الأحزاب، والوثيقة في أدناه تظهر إعدام مجموعة من السادة من بيت المبرقع، واتهامهم بالانتماء إلى حزب الدعوة.
بناءً على ما تقدم ذكره، إن المؤسسات الحكومية المعنية في متابعة ملف جرائم حزب البعث المحظور قطعت شوطاً كبيراً في توثيق جرائم حزب البعث، وإدانة المنتمين له، والذين ارتكبوا الجرائم بحق أبناء الشعب العراقي.
وتم تأسيس مؤسستين حكوميتين لمتابعة ضحايا حزب البعث الصدامي باسم (مؤسسة الشهداء) و (مؤسسة السجناء السياسيين) في رئاسة الوزراء.
وكذلك إقرار قانون بعنوان قانون حظر حزب البعث والكيانات والأحزاب والأنشطة العنصرية والإرهابية والتكفيرية رقم 32 لعام 2016، الذي يجرم فيه حزب البعث والكيانات والأحزاب والأنشطة العنصرية والإرهابية والتكفيرية؛ إذ تشير المادة -1- تسري أحكام هذا القانون على حزب البعث {المنحل}، وعلى كل كيان أو حزب أو نشاط أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمجد أو يروج له. وكذلك تشير المادة -2- يهدف هذا القانون إلى ما يأتي: أولا- منع عودة حزب البعث تحت أي مسمى إلى السلطة أو الحياة السياسية، وعدم السماح له بأن يكون ضمن التعددية السياسية والحزبية في العراق.
نقترح على القائمين على المؤسسات الحكومية المعنية بملف الشهداء والسجناء والمفقودين الاستمرار بتوثيق جرائم حزب البعث الصدامي، والعمل على إنصاف ضحايا الشهداء وعوائلهم والسجناء والمفقودين، وعلى المؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية تذكير الأجيال بالجرائم البشعة التي ارتكبها المجرم صدام وحزبه عن طريق اعتداد المناهج والبحوث والدراسات والفعاليات الثقافية لمنع تكرارها، وأن تقوم المؤسسات الفنية الحكومية وغير الحكومية بإنتاج الأفلام الوثائقية عن تلك الحقبة المظلمة من تاريخ العراق المعاصر، وأن يستمر التأكيد على إقامة هذه الذكرى السنوية يوم 16 أذار من كل عام في المؤسسات الحكومية بوقفة صمت لاستذكار ضحايا الجرائم، والإرهاب، والتطرف.