banarlogo

أرشيف نظام صدام مؤسسة هوفر تستحوذ على الأرشيف الوثائقي لمركز أبحاث سجلات الصراع(CRRC)

د. قيس ناصر
باحث وأكاديمي
    أعلنت مؤسسة هوفر عن استحواذها على أرشيف مركز أبحاث سجلات الصراع(CRRC) , الذي يحتوي على وثائق مهمة عن نظام صدام، وتنظيم القاعدة، والجماعات المرتبطة بها في أفغانستان.
   إن (CRRC)  وكما تم الإشارة إليه في مقالات سابقة, هو أحد المراكز التابعة إلى وزارة الدفاع الأميركية, وتم أغلاقه في سنة 2015م, لعدم توفر التمويل كما هو مُعلن, وبقي أرشيفه الوثائقي مدار جدل, لعل آخرها ما أثاره الكاتب الأمريكي (ستيف كول) حينما أراد دراسة علاقة صدام حسين ووكالة المخابرات الأميركية, وصدر له بعد ذلك كتاب فخ أخيل الذي تناول فيه تلك العلاقة, بعد أن منحته وزارة الدفاع الأمريكية مجموعة من الملفات الوثائقية التي منحها الكاتب لاحقاً إلى مركز (ويلسون), ونشرت عن تلك الوثائق مجموعة مقالات لـ (مايكل بريل), وقد تم ترجمتها ونشرها في المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف. وعلى الرغم من أهمية وثائق (CRRC)  التي تم منحها إلى مركز (ويلسون)، وهي بآلاف الصفحات إلا أنها لا تشكل إلا النزر اليسير جداً من الأرشيف الكامل الخاص بنظام صدام, الذي يبلغ عشرات ملايين الصفحات, التي جمعتها وزارة الدفاع الأمريكية.
   ونقلاً عن حيدر هادي وجين  كانون, وهما أمينا أرشيف في مؤسسة (هوفر), فحيدر هو أمين أرشيف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, أما كانون فهي أمينة أرشيف أمريكا الشمالية، ومتخصصة في عمليات الاستحواذ، والتعليم، والمعارض، والمنشورات العلمية, ولقد ذكرا أنَّ أرشيف (CRRC) المتاح حالياً في مؤسسة هوفر يحتوي على أكثر من (1100) ملف وثائقي، وأكثر من (150) ساعة من التسجيلات الصوتية والمرئية التي تؤلّف مصدراً قيماً للباحثين الأكاديميين الذين يدرسون نظام صدام, وتتألف من ملفات وثائقية عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، وحزب البعث، وفدائيي صدام، ومديرية الاستخبارات العسكرية العامة، ومديرية الأمن العام، ووزارة الخارجية العراقية، ووزارة الدفاع، وتسجيلات ديوان رئاسة الجمهورية. وكذلك هنالك مجموعة وثائقية تتعلق بتنظيم القاعدة – والكلام لا يزال نقلاً عن حيدر وكانون- وتتضمن ملفات عن الاستخبارات، والأمن، والاتصالات، ودعاية التنظيم، وتمويله، والتجنيد، والشؤون الدبلوماسية، والتدريب، والتعليم، والعمليات، والهجمات، وملفات وثائقية عن مهام قام بها التنظيم خلال الحرب الأفغانية. وجميع الملفات الوثائقية متوفرة بلغتها الأصل، فضلاً ترجمة مرفقة لها باللغة الإنجليزية.
    وسابقاً, قبل إضافة أرشيف ( CRRC) يحتوي أرشيف هوفر أكثر من عشرة ملايين صورة رقمية، وألف وخمسمائة ملف فيديو جمعتها مؤسسة الذاكرة العراقية من مقر القيادة القطرية لحزب البعث ومصادر أخرى, وتسلط هذه المجموعة الوثائقية الضوء على الظروف السياسية في العراق، وحكمه خلال نظام صدام حسين. ونقلاً عن (ليزا بلايدز) أُستاذة العلوم السياسية في جامعة (ستانفورد) ومن أبرز الباحثين الأمريكان المختصين بدراسة حقبة نظام صدام, التي ذكرت أنّ وثائق العراق في هوفر تتألف من حوالي (11) مليون صفحة من الوثائق الرسمية لنظام البعث، وكلها متاحة كصور رقمية، فضلاً عن مئات الساعات من تسجيلات الفيديو والتسجيلات الصوتية .
ويمكن تقسيم الأرشيف العراقي الموجود في مؤسسة هوفر قبل أضافة أرشيف   (CRRC)على:
  • مجموعة بيانات شمال العراق – الأرشيف الكوردي-
إن الوثائق الموجودة في هذه المجموعة تتضمن تقارير حزب البعث, والاستخبارات العسكرية، ومديرية الأمن العامة المرتبطة بالمحافظات الثلاث (السليمانية, وأربيل, ودهوك), وتقارير مجلس قيادة الثورة المنحل, وتم الحصول عليها بعد انتفاضة 1991م, وقد قامت الحكومة الأمريكية برقمنة الوثائق، وتم تسليم مجموعة من النسخ الرقمية إلى مؤسسة الذاكرة العراقية، التي بدورها سلمتها إلى مؤسسة هوفر. وللتفاصيل أكثر عن طبيعة هذه الوثائق, بالإمكان مراجعة مقال الأرشيف الكوردي، ودوره في كشف جرائم حزب البعث, ومقال منهجية توثيق جرائم الأنفال في تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان, اللذين نشرهما الباحث في موقع المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف.
  • مجموعة وثائق الكويت:
 تم جمع هذه الوثائق من قبل قوات التحالف بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت في عام 1991م, وقد رفعت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية السرية عن جزء من هذه الوثائق بناءً على طلب من وزارة الخارجية الأمريكية، وتم رفع السرية عن جزء آخر, استجابة لقانون حرية المعلومات.
3- وثائق القيادة القطرية لحزب البعث:
هي الوثائق التي حصلت عليها مؤسسة الذاكرة العراقية من مقر القيادة القطرية في بغداد في المدة من 23- 25 أيلول 2003م.
4-مجموعة الوثائق الثانوية :
هي مجموعة الوثائق التي تم جمعها في المدة من (2004- 2005م)  عبر مصادر مختلفة بعد سقوط نظام البعث, وقد عملت مؤسسة الذاكرة العراقية على جمعها وترتيبها, ورقمنة جميع الوثائق في هذه المجموعة, ولاحقاً تم تسليمها إلى مؤسسة هوفر.
5- أرشيف وزارة الإعلام العراقية:
تم اختيار هذه الوثائق لأهميتها من الأشخاص المطلعين على عمل وزارة الإعلام، وقُدمت إلى مؤسسة الذاكرة في تموز – آب 2003م, التي بدورها عملت على رقمنتها.
6-الأرشيف اليهودي في العراق
 هو مجموعة الوثائق التي تُعني باليهود في العراق.
7-فيديوهات للنظام البعثي
   هي مجموعة فيديوهات لأفراد وجهات حكومية في النظام البعثي, تم رقمنتها بوساطة مؤسسة الذاكرة العراقية، وسلمت لاحقاً إلى معهد هوفر.
   وبعد الاستحواذ على أرشيف (CRRC) من مؤسسة هوفر، وإتاحته للباحثين في أمريكا سواء من خلال موقعها في جامعة ستانفورد، أو من فرعها في واشنطن. ما الذي نعرفه الآن عن حقبة نظام البعث في العراق بعد أكثر من (21) سنة على سقوط نظام حكمهم؟ وما  بوسعنا معرفته في حال الاطلاع على الأرشيف الوثائقي العراقي؟ وما الذي يمكن بناؤه، أو إعادة تشكيله عن حقبة عُرفت بقسوتها، وتنوع الجرائم المرتكبة فيها لأكثر من ثلاثة عقود؟ هل تم أرشفة كل الوثائق، أم هناك قرار سياسي أبعد بعض الوثائق عن الأرشفة؟ جميعنا يعرف أن ما تم أرشفته هو الجزء القليل مقارنة بما تم فقدانه, فالأرشفة هنا مهمة لجمع الذاكرة الجماعية وحفظها, فهل صدرت تقارير رسمية وثقت الجرائم والانتهاكات في حقبة البعث من خلال الاطلاع الكافي على الأرشيف الوثائقي سواء في العراق أم خارجه؟ والأمر لا يقف عند دراسة الجرائم والانتهاكات, فالأرشيف الوثائقي يساعد الباحثين على فهم طبيعة النظام وايديولوجيته؛ لأنه يقترب من الممارسة أكثر من التنظير، وما مصير الأرشيف الوثائقي العراقي بعد إرجاعه للعراق؟ سواء الأرشيف الموجود في هوفر، أم أرشيف CRRC؟ ولعل آخر المجموعات الوثائقية التي رجعت إلى العراق في آب2020م.
ختاماً, سؤالي بوصفي باحثاً: ما الذي قدمته المؤسسات الأمريكية التي استحوذت على الأرشيف العراقي للباحثين العراقيين- من داخل العراق- من منح تدريبية وفرص لدراسة الأرشيف؟ ولاسيما المتعلقة بتطوير قدرات المختصين بأرشفة الوثائق وتصنيفها ودراستها, وهنا الأرشفة بوصفها عملية لتخزين المعلومات والمعرفة, وتحتاج إلى قُدرات بشرية ومادية، وبتعبير آخر عملية السيطرة على المعلومة في أثناء نقلها إلى معرفة, فهل هناك منح وزمالات دراسية للباحثين من داخل العراق؟ ولاسيما العديد من الموضوعات التي تُعنى بحقبة نظام البعث تعدّ ناقصة في حال عدم الاطلاع على الأرشيف الوثائقي. هذا من جانب, ومن جانب آخر, ما الذي قدمته مؤسسة هوفر من تعاون مع المراكز العراقية المختصة بالأرشيف؟ وربما أبسط ما يمكن تقديمه, هو عمل منصة الكترونية بالتعاون مع أحد المراكز العراقية تُمكن الباحثين من داخل العراق للاطلاع ودراسة الأرشيف العراقي المتوفر في مؤسسة هوفر .