تأليف مايكل بريل
ترجمة قيس ناصر
يواصل الدكتور مايكل بريل الأُستاذ في جامعة برنستون تقديم سلسلة مقالاته التي تُعنى بالأرشيف العراقي، ولا سيما الملفات الوثائقية التي منحها ستيف كول إلى مركز ويلسون ، وكول هو مؤلف كتاب فخ أخيل صدام حسين والمخابرات الأميركية الذي صدر في شباط 2024م. في هذا المقال الثالث من السلسلة يُعرّف بريل بالوثائق التي تُعنى بالأسلحة الكيمائية التي استخدمها نظام صدام ضد الشعب العراقي في شمال العراق، وأحياناً ضد جنود الجيش العراقي لكسر الحاجز النفسي كما سوّغت القيادات العسكرية ذلك !!!، وبينّت الوثائق طريقة تفكير صدام في القضايا المهمة مثل قوله: “حتى لو تمكنت القوات الإيرانية من احتلال البصرة، فإن ذلك لن يكون نهاية العالم” والبصرة ثاني مدينة في العراق، وما تزال تعاني من آثار تلك الحرب بعد أكثر من 35 سنة على نهايتها، وكذلك الوثائق التي تعنى بحقبة الحصار الاقتصادي، وملف النفط مقابل الغذاء الذي تضمن العديد من ملفات الفساد، فضلاً عن طبيعة العلاقة المتوترة بين أفراد عائلة صدام، ولاسيما بين أخوته وأبنه.
ويذكر أن هذه المجموعة الوثائقية هي جزء من الأرشيف العراقي في مركز أبحاث سجلات الصراع CRRC التابع إلى وزارة الدفاع الأميركية الذي يحتوي على عشرات الملايين من الوثائق العراقية التي استولت عليها القوات الأميركية بعد 2003م. علماً أن المركز المذكور قد أغلق.
نص المقال:
هذا الجزء من الأرشيف الوثائقي عن صدام يُعد تعريفاً بما يقارب (300) صفحة من الوثائق باللغة العربية التي استولت عليها وزارة الدفاع الأميركية في أثناء احتلال العراق سنة 2003م، فضلاً عن النسخة العربية توجد ترجمة لها باللغة الإنجليزية، كذلك يحتوي الملف نصوصاً لعشرة تسجيلات صوتية عن اجتماعات صدام، وتم تنظيم هذه الوثائق ودمجها في عشرين ملفاً، وهي كما ذُكر في المقالات السابقة بأنها جزء من أرشيف مركز سجلات الصراع (CRRC) التابع إلى وزارة الدفاع الأميركية، الذي حصلت عليه لجنة المراسلين من أجل حرية الصحافة RCFP)) وستيف كول في تسوية مع وزارة الدفاع الأميركية، وقد منحها كول إلى برنامج التاريخ والسياسة في مركز ويلسون.
وثائق الحرب الكيمائية
كانت الحرب العراقية الكيميائية صورة مظلمة، وأيقونة للحرب العراقية الإيرانية للمدة من (1980-1988م)، التي مع استمرارها، توسع العراق باستخدام الأسلحة الكيميائية، وبشكل متطور جداً. يتضمن هذا المقال ملفين، وتسجيلاً صوتياً عن الموضوع.
الملف الأول/ ملف لوزارة الدفاع العراقية ويحتوي على مراسلات تخص مناورة تدريبية في 27 حزيران 1985م، إذ استخدمت القوات العراقية الغازات الكيمائية ضد إحدى وحداتها، دون علم الجنود الذين تعرضوا لتلك الغازات، وذلك للتغلب على الحاجز النفسي في أثناء التعرض للأسلحة الكيمائية، وإن المراسلات أشارت إلى انتشار شائعة بين القوات العراقية حول إمكانية استخدام الأسلحة الكيمائية من القوات الإيرانية، وهذا يظهر المخاوف العراقية من أن تتصرف جمهورية إيران الإسلامية على وفق التهديدات التي أطلقتها بشأن بناء الأسلحة الكيميائية واستخدامها ضد العراق، وقد عدّت وزارة الدفاع العراقي المناورة التدريبية ناجحة.
(صفحة من التقرير الذي يتحدث عن استهداف الوحدات العسكرية العراقية بالأسلحة الكيمائية لكسر الحاجز النفسي. المترجم)
ومن المثير للاهتمام، إنّ أحد التقارير الذي كُتب بعد المناورة، قد أشار إلى أن بعض الجنود العراقيين الذين شاركوا فيها اشتبهوا بأن تعرضهم للأسلحة الكيميائية العراقية كان نتيجة لحمل الرياح لها من الخطوط الإيرانية بعد استهدافها وليس هم المستهدفين، وهذا الأمر كان شائعاً في تلك الحرب، التي زاد فيها نظام صدام من استخدامه للأسلحة الكيمائية، ولاسيما في مراحل الحرب الأخيرة، حتى أنّه أدرجها في ضمن استراتيجية العمليات العسكرية، وبشكل سافر، فضلاً عن أنَّ هذا النوع من مناورات التدريب قد بقي مستمراً لمدة طويلة.
الملف الثاني/ يعود إلى سنة 1987م، ويرتبط بتغيّرات شمال العراق، إذ كان الجيش العراقي يقاتل وحدات عسكرية إيرانية، ومقاتلي البشمركة من الاتحاد الوطني الكوردستاني، بقيادة جلال الطالباني، ويحتوي الملف على خطط من مديرية الاستخبارات العسكرية العراقية تتعلق بالضربات الكيمائية عبر استخدام المدفعية والمروحيات والطائرات، من أجل استهداف القواعد الجبلية البعيدة التي تستخدمها القوات الإيرانية، وقوات المعارضة الكوردية العراقية، وفيما يتعلق بالحدود العراقية التركية، التي كانت أيضاً تُعد قواعداً عسكرية للكورد، فكانت هناك اعتبارات تحد من تنفيذ العمليات بعضها ضمن اعتبارات دبلوماسية تتعلق بالعلاقة مع تُركيا من جانب، وأخرى جغرافية متمثلة بتفضيل استخدام الأسلحة الكيميائية في المناطق المنخفضة، إذ يكون الغاز السام أكثر فعالية، أما الحدود العراقية التركية فكانت مرتفعات جبلية.
(صفحة من التقرير وتشير إلى نوعية الأسلحة الكيمائية المستخدمة. المترجم)
وقد أشار أحد التقارير إلى أنَّ نظام صدام واجه نقصاً في مخزوناته من الأسلحة الكيمياوية، وهو ما يرجع بلا شك إلى استخدامه المفرط لها في تلك المرحلة من الحرب، فأوصى باستخدام غاز الخردل مع غاز الريسين؛ لأن ظروف الشتاء لم تكن تسمح باستخدام غاز التابون وغاز السارين. وفي تسجيل صوتي غير مؤرخ، ربما كان لاجتماع عُقد في أواخر الثمانينيات، قد تباهى صدام بالقدرات العسكرية لقواته في مجال الأسلحة الكيمائية، واقترح تقاسم هذه المعرفة مع العالم العربي، قائلاً: “من المستحيل أن يصل العرب إلى المرحلة التي وصلنا إليها فيما يتعلق بالجودة والكمية وبأطنان”.
وثائق عن آراء صدام في الحرب العراقية الإيرانية
قدمت السجلات الوثائقية وجهة نظر صدام في تطورات الحرب، ففي أحد الاجتماعات مع القادة العسكريين تبنى صدام رأياً متفائلاً عند مناقشة الهجوم الإيراني على جنوب العراق، مبيناً أنه حتى لو تمكنت القوات الإيرانية من احتلال البصرة، فإن ذلك لن يكون نهاية العالم.
وفي التسجيل نفسه، هناك موقف مهم ومن الضرورة الوقوف عنده، ولاسيما فيما يتعلق بحملات الأنفال في شمال العراق، إذ ذُكر في التسجيل أن صدام منح ابن عمه علي حسن المجيد سلطة كاملة في العمليات العسكرية بحسب الحاجة، ومن دون الرجوع إليه.
وبعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، واستكمال حملات الأنفال، ناقش صدام ومستشاروه موضوع شمال العراق، من خلال منظور إعادة بناء الشخصية الكوردية على وفق رؤية حزب البعث، قائلاً “أصبح من مسؤولياتنا تجاه من يعتاد العيش برفقة البندقية لحقبة طويلة، أن نعلمه العمل خطوة بخطوة”.
(صفحة من مجموعة تسجيلات لاجتماعات غير مؤرخة يقارن فيها صدام واقعه وواقع جماعته قبل وبعد استلامهم للحكم. المترجم)
وثائق عن صدام والولايات المتحدة الأميركية
تضمن هذا الملف تسجيلاً لاجتماع صدام ومستشاريه، وناقشوا فيه موضوع الهجوم العراقي العرضي على (السفينة الحربية USS) في 17 أيار 1987م، وكان نتيجته مقتل (37) جندياً أميركياً، وجرح (21) آخرين، في ضمن سياق حرب الناقلات بين العراق وإيران. وبيّن الاجتماع شعور الجانب العراقي بالارتياح؛ لأنّ الاستجابة الأميركية كانت متوازنة وطبيعية، وأكد صدام ضرورة زيادة التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية؛ لضمان عدم تكرار الخطأ مرة أخرى.
وفي اجتماع عُقد سنة 1988م، بعد استعادة العراق لشبه جزيرة الفاو، ناقش صدام وقادته العسكريون العمليات البحرية الأميركية في الخليج، التي نظروا إليها بريبة. وحتى اقتراب الحرب من نهايتها، ظل صدام مذعوراً من تدويلها بشكل أكبر. وفي الاجتماع نفسه وصف صدام الرئيس الليبي وحليف إيران حينذاك معمر القذافي بأنه مريض نفسي، كما صرح قائلاً “الوضع خطير، وحالياً أية شرارة يمكن أن تسبب في حرب عالمية”.
لقد تعزز ذعر صدام بعد الكشف عن فضيحة إيران كونترا في تشرين الثاني 1986م، وفسرها على أنها تعزيز لشكوكه بالتآمر ضده منذ البداية. وبعد فضيحة إيران كونترا، أو إيران جيت تماهياً مع فضيحة ووتر جيت كما أطلق عليها صدام ودائرته القريبة، الذي اعتقد أنَّ عدم تحذير الولايات المتحدة للعراق من الهجمات الإيرانية يُعد جزءاً من الخطة الأميركية لمساعدة إيران على الانتصار في الحرب. وخلال اجتماع غير مؤرخ عقد على الأرجح في أواخر عام 1988م، أعرب صدام عن رأيه بأن محاولة اغتياله التي هي بالأصل استهداف لأحد المنازل من عمل المخابرات الأميركية، وكما قال للحاضرين: “إنها قناعتي، وليس لدي أي معلومات عنها، ولم يخبرني بها أحد، لكن لدي شعور قوي بأنهم كانوا وراءها”.
(صفحة من مجموعة تسجيلات، تشير إلى أن صدام كان يعيش في سياق المؤامرة الأميركية, وتخيّلاته لمحاولات اغتياله المستمرة حينذاك. المترجم)
وكانت رؤية صدام حول المخابرات الأميركية تُختصر بأنها قادرة على التغلغل في كل مستويات حزب البعث، وكافة الأجهزة الأمنية التابعة له. وقد تضمنت دراسة أعدتها مديرية الاستخبارات العسكرية العراقية في سنة 1986م حول المخابرات الأميركية –ذكر المقال جزءاً منها – أن “كل مشروع ينفذه الأميركيون خارج أميركا المسؤول عنه المخابرات الأميركية”.
(صفحة من تقر