جريمة مصادرة الملكية الخاصة في نظام البعث ممتلكات الكرد الفيلية أنموذجا
أ.د. حسين الزيادي
يتقدم حق الملكية الخاصة جميع الحقوق الأساسية للفرد، فهو من الحقوق التي تتسم بقدسية دستورية عالية يجب حمايتها، وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وقد فَطن المُشرع إلى ذلك في كثير من الدساتير، فحاول إحاطة الملكية الخاصة بحماية وضمانات عدة، وحرص كل الحرص في أن يكفل لها أبلغ الحماية، ويمنع مصادرتها، والتعدي عليها بشروط صريحة، وقاطعة لا تحتمل التأويل، والمصادرة التي طالت ممتلكات الكرد الفيلية إبان حكم البعث هي من نوع المصادرة العامة التي تشمل الذمة المالية للشخص جميعا، وهي من أقسى أنواع المصادرة وأخطرها؛ لأنها تتعدى شخصية العقوبة، فهي تشمل حقوق الآخرين الذين لديهم الحق في الممتلكات المصادرة.
لقد تعرض الكرد الفيليون لأقسى أنواع الظلم، والاضطهاد، والاستبداد، في أشكال بشعة قل نظيرها في التاريخ؛ لكونهم يمتلكون خصلتين لا يستسيغهما نظام البعث؛ وهما: القومية الكردية، والمذهب الشيعي الموالي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)؛ ولهذا السبب لاقوا أقسى أنواع التهجير والتخوين وأشده، ومصادرة حقوقهم المشروعة، وحرمانهم من الجنسية العراقية، ولعل من النماذج الصارخة لما لحق بالكرد الفيلية من أذى وضرر، حرمانهم من الزواج، والتفريق عن أزواجهم قسراً، فضلاً عن منعهم من إكمال دراستهم، وهي مواضيع تستحق البحث والتقصي، وفي هذا المقال سيتم التطرق لجريمة مصادرة الملكية الخاصة، بوصفها جريمة لا تمتلك غطاءً قضائياً، أو إدارياً، إذ نزعت ملكية الأفراد جبراً، وإضافتها إلى ملك الدولة بدون مقابل.
بعد عام 1980، ووفقاً لمرسوم حزب البعث رقم (666)، طُرد الفيليون من منازلهم، وحرموا من ممتلكاتهم جميعاً، وصُودرت عقاراتهم، وأموالهم المنقولة، وغير المنقولة، وبحسب الإحصاءات تم ترحيل حوالي (600) ألف فيلي من العراق إلى إيران، إذ توفي كثير منهم في المنفى، وفي أثناء عملية الترحيل.
إن عمل سلطة البعث يُعد تعسفاً، وعَملاً غير دستوري يتعارض مع المواثيق والأعراف الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان؛ لأن الأموال والأملاك المصادرة هي ثمرة جهد أصحابها، وهي تؤدي وظيفة اجتماعية تجمع بين مقومات التملك الممنوحة لصاحب المال، وحق المجتمع في أن يكون هذا التملك غير ضار به، وأن محل المصادرة لا يكون إلا في المال المنقول المتحصل من جريمة أراد المشرع سحبها لمصلحة عامة.
وإن ما فعله نظام البعث يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (17) التي نصت على أن لكلِّ فرد حقاً في التملُّك، ولا يجوز تجريد أحد من مُلكه تعسفًا، وأن نظام البعث خالف دستور 1968 الذي نصت المادة (17) منه على أن: الملكية الخاصة مصونة، أما دستور 1970 فقد نص صراحة في الباب الثاني المتعلق بالأسس الاجتماعية والاقتصادية للجمهورية العراقية ضمن المادة السادسة عشرة: أن الملكية الخاصة، والحرية الاقتصادية الفردية؛ مكفولتان في حدود القانون، ولا تنزع الملكية الخاصة إلا لمقتضيات المصلحة العامة، ووفق تعويض عادل حسب الأصول التي يحددها القانون.
كذلك أكد المشرع العراقي في قانون العقوبات 1969 على حماية الملكية الخاصة في المواد (477، 478، 479)، ويلحظ أن المشرع العراقي قد حرص كل الحرص على حماية ملكية الأموال سواء كانت منقولة أم عقار، وذلك عن طريق وضع الجزاء المناسب لمن يقوم بأي نوع من أنواع انتهاك ملكية الآخر.